في كل مرة تُعلن فيها الولايات المتحدة عن رفع أسعار الفائدة، تسارع البنوك الأردنية إلى اتخاذ القرار ذاته، وكأنها تملك زرًا فوريًا لتحميل المقترضين أعباء إضافية. ولكن المفارقة الصادمة تظهر عند خفض الفائدة عالميًا، حيث نجد تلك البنوك تتلكأ وتتذرع بالسياسات والإجراءات الداخلية، متجاهلة تمامًا مصالح المقترضين والمواطنين الذين يعانون من ضغوط اقتصادية خانقة.
ازدواجية واضحة: سرعة في الرفع وتباطؤ في التخفيض
إن المتابع لسلوك البنوك الأردنية يرى بوضوح ازدواجية لا يمكن تبريرها. ففي حين يتم رفع الفائدة على القروض والتسهيلات المالية بسرعة البرق فور رفعها عالميًا، نجد أن تخفيضها يواجه بسلسلة من الأعذار التي تتراوح بين "آليات العقود الدورية" و"الإجراءات الفنية". هذه الممارسات تثير تساؤلات جوهرية: هل تعمل البنوك لصالح الاقتصاد الوطني والمواطن، أم أن هدفها الأوحد هو تعظيم أرباحها على حساب الجميع؟
انعكاسات اقتصادية خطيرة
إن عدم خفض الفائدة يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني والمواطنين على حد سواء:
1. ارتفاع تكلفة الاقتراض: استمرار الفائدة المرتفعة يجعل من الصعب على الأفراد والشركات الحصول على قروض، مما يحد من النشاط الاقتصادي ويثبط الاستثمار.
2. ضغط على الأسر الأردنية: المواطنون الذين اقترضوا لشراء منزل أو تمويل تعليم أبنائهم يواجهون عبئًا ماليًا إضافيًا، مما يزيد من معاناتهم في ظل ظروف اقتصادية متردية.
3. إبطاء عجلة النمو: غياب تخفيض الفائدة يقلل من قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على التوسع، مما يضعف النشاط التجاري ويؤثر سلبًا على الاقتصاد ككل.
البنوك الأردنية والأرباح الضخمة
رغم الأزمات الاقتصادية التي يعيشها المواطن الأردني، تسجل البنوك أرباحًا ضخمة سنويًا، مما يثير استياء الشارع الأردني. السؤال هنا: إذا كانت هذه البنوك تحقق أرباحًا كبيرة، فلماذا لا تتجاوب مع التوجهات العالمية لخفض الفائدة؟ لماذا تصر على تحميل المواطن العبء الأكبر؟
غياب دور البنك المركزي
يبدو أن البنك المركزي الأردني يقف موقف المتفرج في مواجهة هذه الأزمة. فبدلًا من فرض رقابة صارمة تلزم البنوك بخفض الفائدة عند تراجعها عالميًا، يكتفي المركزي بالتوصيات التي لا تجد طريقها للتنفيذ. هنا تبرز الحاجة الملحة لتدخل حازم يُلزم البنوك بتطبيق تخفيض الفوائد بشكل فوري ومنصف.
دعوة إلى العدالة المصرفية
إن المنطق السليم والعدالة الاقتصادية يفرضان أن تُعامل الفائدة بالمعيار نفسه، سواء عند رفعها أو خفضها. إذا كانت البنوك تُبرر رفع الفائدة بأنه "تكيّف مع الظروف العالمية"، فعليها أن تطبق نفس القاعدة عند انخفاضها. التلكؤ الحالي لا يمكن تفسيره إلا باعتباره استغلالًا واضحًا للمواطن الأردني.
ماذا نطالب؟
1. تدخل حازم من البنك المركزي: يجب على البنك المركزي فرض آليات واضحة ومُلزمة لتعديل أسعار الفائدة بما يواكب التخفيضات العالمية.
2. إلزام البنوك بالشفافية: يجب أن تُفصح البنوك عن أسباب تأخرها في خفض الفائدة وتبرر موقفها للجمهور.
3. تحقيق التوازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية: البنوك ليست شركات تجارية فقط، بل هي مؤسسات تلعب دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد الوطني ويجب أن تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المواطنين.
الخلاصة
إن استمرار البنوك الأردنية في تجاهل خفض أسعار الفائدة يعكس نهجًا استغلاليًا يعمّق معاناة المواطن ويضر بالاقتصاد الوطني. لا يمكن السكوت على هذه الممارسات، ويجب أن تكون هناك محاسبة واضحة. البنوك ليست فوق القانون، والمواطن الأردني يستحق معاملة عادلة تضع مصلحته فوق جشع الأرباح.
ختاماً
لا بد من التذكير بأن الحل الجذري لهذه المعاناة يكمن في الابتعاد عن القروض الربوية التي تُثقل كاهل الأفراد وتُدخلهم في دوامة لا تنتهي من الديون. فالقروض الربوية ليست مجرد عبء مالي، بل هي مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية التي حرمت الربا لما فيه من ظلم واستغلال.
إن الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه الكريم: "يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ" (البقرة: 276). فالتعامل بالربا لا يجلب إلا المحق والخسارة، ولو بدا في الظاهر أنه يحقق مكاسب مؤقتة.
من هنا، يجب أن تكون هذه الأزمة دافعاً للمجتمع الأردني للبحث عن بدائل شرعية ونزيهة، مثل التمويل الإسلامي القائم على عقود المرابحة والمشاركة، التي تراعي حقوق الجميع دون ظلم أو استغلال. كما أن تعزيز ثقافة الادخار والتخطيط المالي السليم يمكن أن يكون خطوة هامة لتجنب الوقوع في فخ الديون الربوية.
نسأل الله أن يبعد الناس عن القروض الربوية، وأن يرزقهم من فضله ويوفقهم لاتباع طريقه المستقيم، طريق العدل والبركة والرضا.