رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

الشباب وقوة التغيير... هندرة اقتصادية برؤية ملكية

الشباب وقوة التغيير... هندرة اقتصادية برؤية ملكية
جوهرة العرب
بقلم: جهاد مساعده

يسير الأردن في طريق بناء الدولة الحديثة، مستندًا إلى رؤية قيادته الهاشمية التي وضعت التنمية المستدامة والاستقلال الاقتصادي كأحد المرتكزات الأساسية لاستقرار البلاد وازدهارها. وقد أكد جلالة الملك عبد الله الثاني، في أكثر من مناسبة، أهمية بناء اقتصاد قوي يعتمد على الإنتاج والاستثمار الذاتي. وقد تجلّت هذه الرؤية بوضوح في رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام، اللتين وضعتا أسسًا واضحة لتعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين كفاءة الإدارة العامة، وتمكين الشباب ليكونوا جزءًا أساسيًا من عملية التنمية.
إن المرحلة الحالية تشهد تنفيذ هذه الرؤية بصورة ملموسة، عبر إعادة هيكلة الاقتصاد وإطلاق مبادرات حقيقية تمكّن الشباب من أن يكونوا قادة التنمية، وليس مجرد متلقّين للمساعدات أو باحثين عن وظائف مؤقتة ومحدودة. لم يعد ممكنًا أن يبقى الاقتصاد الأردني مرهونًا لمصادر تمويل خارجية غير مستقرة، بل لا بد من التحول إلى اقتصاد إنتاجي حقيقي يعتمد على الابتكار وريادة الأعمال، ويستثمر في الموارد الوطنية البشرية والطبيعية، بدلًا من البيروقراطية التي تعيق التطور.
إحدى الركائز الأساسية لهذا التحول تتمثل في إطلاق صندوق سيادي للشباب، يكون ممولًا من موارد الدولة وعائدات استثماراتها، ويُخصّص لدعم المشاريع الناشئة، وتوفير التمويل اللازم لرواد الأعمال، وخلق بيئة اقتصادية تمكّن الشباب من بناء مستقبلهم. هذا الصندوق لن يكون مجرد جهة تقدم التمويلات، بل منصة استثمارية متكاملة تدعم الابتكار، وريادة الأعمال، والبحث العلمي، والتكنولوجيا، مما يعزز قدرة الشباب على تطوير مشاريعهم الخاصة والمساهمة في الاقتصاد الوطني بفعالية.
لكن هذا التحول الاقتصادي لا يمكن أن ينجح دون إصلاحات هيكلية جذرية، تشمل إعادة النظر في جدوى وجود بعض الهيئات المستقلة التي لا تقدم أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. فقد أكدت خارطة تحديث القطاع العام ضرورة تحسين كفاءة الإدارة العامة، وترشيد النفقات، وضمان أن تكون المؤسسات الحكومية فعالة في خدمة المواطنين والاقتصاد. ومن هنا، لا بد من إعادة دمج الهيئات التي لم تثبت جدواها ضمن الوزارات الأم، بدلًا من أن تبقى عبئًا على الموازنة العامة دون تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. إن الدولة بحاجة إلى مؤسسات ديناميكية تدعم الاقتصاد، لا كيانات إدارية تستهلك الموارد دون أثر ملموس.
إلى جانب ذلك، فإن تحقيق الاستقرار الاقتصادي يتطلب تحقيق كفاءة الإنفاق العام، بحيث يتم تقليل الهدر المالي وإعادة توجيه الموارد إلى القطاعات الأكثر إنتاجية. إن وجود صناديق استثمارية قوية، مثل الصندوق السيادي للشباب، سيخلق قاعدة اقتصادية صلبة تمكّن الأردن من مواجهة التحديات وتعزيز الاستقلال المالي. 
كما أن المشاريع الوطنية الكبرى، التي تمثل عصب التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، يمكن إسناد تنفيذها إلى القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، لما تمتلكه من كفاءات وخبرات متميزة في مجالات الهندسة والإنشاءات والإدارة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك مشروع ناقل البحرين، الذي يمثل أحد المشاريع الاستراتيجية الحيوية لتعزيز الأمن المائي والاقتصادي في المملكة.
كما تُعدّ تكنولوجيا المستقبل حجر الأساس في هذا التحول الاقتصادي. إن تبنّي الحلول الرقمية، وتعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والطاقة المتجددة، ستمنح الأردن فرصة للريادة في الاقتصاد العالمي. فالدول التي تستثمر في التكنولوجيا هي التي تضمن مستقبلًا مزدهرًا بعيدًا عن التقلبات الاقتصادية التقليدية. من هنا، لا بد أن يكون الصندوق السيادي للشباب داعمًا رئيسيًا للمشاريع التقنية، وتمويل الابتكارات الرقمية، وربط الشباب بفرص الاستثمار في القطاعات الحديثة.
في ظل هذه الرؤية الطموحة، فإن دولة الرئيس الدكتور جعفر حسان يمتلك الأدوات الحقيقية لترجمة هذه الرؤى الملكية إلى واقع ملموس. فهو يتمتع بخبرة واسعة في الملفات الاقتصادية والاستثمارية، ويدرك أهمية بناء اقتصاد وطني قوي يعتمد على الإنتاج والابتكار بدلًا من المساعدات. بفضل قيادته للحكومة، هناك فرصة حقيقية لوضع استراتيجيات تنفيذية واضحة، وتسريع عملية التحول الاقتصادي، وتوجيه الموارد نحو المشاريع الأكثر جدوى، والتي تحقق الأثر المستدام على المجتمع والاقتصاد.
لقد حان الوقت للاعتماد على الذات، والبدء في بناء اقتصاد متكامل يقوم على الريادة، والابتكار، والكفاءة الإدارية. الأردن يمتلك كل المقومات التي تمكنه من تحقيق هذا التحول. إن إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، وإطلاق صندوق سيادي للشباب، وضبط الإنفاق العام، وإسناد المشاريع الوطنية الكبرى إلى القوات المسلحة، والاستثمار في تكنولوجيا المستقبل ليست مجرد خطوات اقتصادية، بل هي ضرورة وطنية لضمان مستقبل مستقر ومستدام، يكون فيه الشباب المحرك الأساسي للتنمية، وليسوا مجرد متلقّين للفرص التي تأتي عبر الواسطة أو التوظيف غير المنتج.
إن رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام تدعوان إلى إعادة التفكير في أسلوب الإدارة العامة والاقتصاد الوطني. اليوم، الوطن بحاجة إلى اتخاذ قرارات حاسمة لإعادة ترتيب الأولويات، وضمان أن تعمل مؤسسات الدولة بكفاءة لخدمة المواطنين، وليس لتكون عبئًا إضافيًا على الاقتصاد. المرحلة القادمة تتطلب اقتصادًا مستقلًا، وإدارة أكثر كفاءة، وشبابًا أكثر قدرة على الابتكار والإنتاج، وهذا لن يتحقق إلا بإصلاحات اقتصادية حقيقية، وصندوق استثماري يضع الشباب في قلب المعادلة الاقتصادية الوطنية.