يُعد قرار تعريب قيادة الجيش العربي الأردني في 1 آذار 1956 أحد أبرز المحطات التاريخية في مسيرة الأردن، إذ أرسى دعائم الاستقلال العسكري والسياسي، ورسّخ السيادة الوطنية بعيدًا عن التأثيرات الأجنبية. جاء هذا القرار الجريء من قبل الملك الحسين بن طلال في ظل ظروف داخلية وإقليمية حساسة، وكان له انعكاسات مباشرة ومستقبلية على الأردن وعلاقاته مع بريطانيا والدول العربية.
في تلك الفترة، كانت قيادة الجيش العربي الأردني بيد الجنرال البريطاني جون باغوت غلوب (غلوب باشا)، الذي شغل منصب قائد الجيش ورئيس هيئة الأركان منذ عام 1939. رغم أن الجيش كان ممولًا من الحكومة الأردنية، إلا أن السيطرة الفعلية ظلت بيد بريطانيا، مما حدّ من استقلالية القرار العسكري الأردني.
شهدت خمسينيات القرن العشرين تناميًا للحركات القومية في الوطن العربي، التي طالبت بالتحرر من السيطرة الأجنبية. كما أن السياسات البريطانية في المنطقة، خاصة دعمها لإسرائيل في فلسطين، زادت من الضغط الشعبي والسياسي على القيادة الأردنية لاتخاذ موقف حاسم تجاه نفوذ بريطانيا في الجيش.
وكان لتصاعد التوتر بين الملك الحسين وغلوب باشا، خاصة بعد رفض الأخير تنفيذ بعض الإصلاحات العسكرية التي طالب بها الملك، مثل تحسين أوضاع الضباط الأردنيين وزيادة مشاركتهم في القيادة، أثر واضح في اتخاذ القرار. كما أن تعامل غلوب باشا مع بعض القضايا الإدارية زاد من استياء الملك.
ثم إن تداعيات السياسة الإقليمية والدولية بعد ثورة جمال عبد الناصر في مصر عام 1952، عززت التوجه نحو الاستقلالية العربية، وتأثر الأردن بهذا المد القومي.
إعلان القرار وردود الفعل المحلية والدولية
في 1 آذار 1956، أعلن الملك الحسين قرار تعريب قيادة الجيش الأردني، وإنهاء خدمات غلوب باشا وكبار الضباط البريطانيين. تم تنفيذ القرار بسلاسة، دون أي رد فعل عسكري معارض، مما عكس الاستعداد المسبق والتأييد الداخلي القوي له. ومع أن بريطانيا كانت غاضبة من القرار، لأنه أنهى نفوذها المباشر على الجيش الأردني، لكنها لم تتمكن من الرد عسكريًا أو اقتصاديًا نظرًا للظروف الدولية المتغيرة، واكتفت بقطع بعض المساعدات المالية.
لقي القرار ترحيبًا واسعًا في الدول العربية، خاصة من مصر وسوريا والعراق، حيث رأوا فيه خطوة نحو التحرر من السيطرة الأجنبية.
النتائج المباشرة لتعريب الجيش
تعزيز السيادة الوطنية، حيث أصبح القرار العسكري أردنيًا خالصًا، دون تدخل بريطاني.
رفع الروح المعنوية للجيش وازدياد الشعور بالانتماء الوطني لدى الضباط والجنود بعد تعيين قيادة أردنية.
تغيير العقيدة العسكرية، مع التركيز على تطوير الجيش بما يخدم المصالح الوطنية بعيدًا عن السياسات البريطانية.
النتائج المستقبلية وتأثير القرار على الأردن
تمهيد الطريق للاستقلال الكامل، حيث أصبح الأردن أكثر قدرة على اتخاذ قراراته بحرية، مما عزز استقلاله السياسي والعسكري.
تعزيز العلاقة مع الدول العربية، الأمر الذي فتح المجال لتعاون عسكري عربي أوسع، وأصبحت الدول العربية أكثر دعمًا للأردن.
بناء جيش حديث وقوي من خلال العمل على تطوير الجيش الأردني، وفتح المجال أمام الضباط الأردنيين لتولي مناصب قيادية عليا.
إرساء قاعدة للقرارات السيادية، حيث كان القرار نموذجًا لنهج الملك الحسين في اتخاذ قرارات وطنية مستقلة، وهو ما استمر في مراحل لاحقة.
شكل قرار تعريب الجيش العربي الأردني نقطة تحول في تاريخ الأردن، حيث عزز استقلاله الوطني، وأرسى أسس بناء جيش محترف تحت قيادة وطنية. ورغم الضغوط الدولية، فإن هذه الخطوة أثبتت أهميتها على المدى البعيد، حيث أصبح الأردن أكثر قدرة على حماية مصالحه واتخاذ قراراته السيادية دون تدخل خارجي.