في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي بشكل غير مسبوق أصبح التواصل الإنساني أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، جيل اليوم الذي نشأ وسط ثورة رقمية غيرت أساليب الحياة يواجه تحديات جديدة أبرزها تراجع التفاعل الاجتماعي المباشر مما أدى إلى انتشار أنماط سلوكية تعكس نوعًا من العزلة الطوعية، من بين هذه الظواهر يظهر مفهوم "هيكيكوموري" وهو مصطلح ياباني يشير إلى الأفراد الذين يختارون الانسحاب من المجتمع وقضاء معظم وقتهم داخل منازلهم بعيدًا عن أي تفاعل اجتماعي حقيقي.
سمعت مقوله مؤخرًا أعجبتني "الهواتف الذكية تقربنا من البعيد لكنها قد تبعدنا عمن يجلس بجوارنا" لقد قدم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة فرصًا هائلة لتحسين الحياة اليومية إلا أن تأثيرها على العلاقات الإنسانية يثير العديد من التساؤلات فمع تزايد الاعتماد على الأجهزة الذكية باتت المحادثات الافتراضية تحل محل اللقاءات الحقيقية وأصبحت التفاعلات الرقمية بديلًا لعلاقات قائمة على المشاعر الحقيقية، في ظل هذا التحول يجد الكثيرون في العوالم الافتراضية مهربًا من ضغوط الواقع حيث توفر لهم منصات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية بيئات تفاعلية قد تمنح شعورًا مؤقتًا بالانتماء لكنها في الوقت نفسه تعزز العزلة والانفصال عن المجتمع.
ظاهرة "هيكيكوموري" التي كانت تقتصر على اليابان بدأت بالانتشار في مجتمعات أخرى مدفوعة بتأثير التكنولوجيا الحديثة فالضغوطات المختلفة إضافة إلى القلق الاجتماعي تدفع بعض الأفراد إلى تجنب التفاعل المباشر ليصبحوا أكثر ارتباطًا بالشاشات وأقل تواصلًا مع العالم الخارجي ورغم أن هذا النمط قد يبدو مريحًا على المدى القصير إلا أنه يؤدي إلى تحديات نفسية واجتماعية قد تترك أثرًا طويل الأمد مثل الاكتئاب وضعف المهارات الاجتماعية والتراجع في فرص التطور المهني والتعليمي.
ورغم ذلك لا يمكن اعتبار التكنولوجيا مجرد عامل سلبي فهي توفر إمكانيات هائلة للتعليم والعمل والتواصل لكن المشكلة تكمن في كيفية استخدامها، التوازن بين العالمين الرقمي والواقعي أصبح ضرورة حيث يجب تشجيع الأفراد على الحفاظ على علاقاتهم الاجتماعية الحقيقية والانخراط في أنشطة حياتية تساهم في بناء مهاراتهم وتعزيز تفاعلهم مع الآخرين كما يقع على عاتق الأسر والمؤسسات التعليمية دور كبير في توجيه الأجيال نحو استخدام التكنولوجيا بوعي بحيث تكون وسيلة تعزز الحياة بدلًا من أن تحل محلها.
في النهاية الذكاء الاصطناعي ليس خطرًا في حد ذاته لكنه قد يصبح كذلك إذا تحول إلى بديل وحيد للعلاقات الإنسانية. المستقبل لا يجب أن يكون صراعًا بين الإنسان والتكنولوجيا، بل تكاملًا يتيح الاستفادة من التطور مع الحفاظ على جوهر العلاقات الحقيقية، فهل يستطيع جيل اليوم إيجاد هذا التوازن أم أننا في طريقنا إلى عصر عالمي من "هيكيكوموري" دون أن ندرك؟