تصرفات الطفولة تتحول إلى لوحةٍ معقدةٍ من الألوان المتضادة ، حيث تُستبدل الابتسامات البريئة بأنماط سلبية عدائية.
ففي هذا الواقع الجديد، نرى طفلاً يتعلم من بيئة مشوهة، تُشكلها عوامل خارجية تهدم القيم والأخلاق التي كان من المفترض أن تحميه وتُرشده نحو دروب الخير.
من الأسباب الجوهرية لهذا التحول، نجد غياب الدعم والتوجيه الصحيح، خاصةً عندما لا تتقبل الأمهات النصائح والإرشادات التي يمكن أن تبني أساساً سليماً لحياة أطفالهن, فبدلاً من أن يكونوا الميناء الآمن للتوجيه والحنان، يجد البعض منهن أنفسهن عالقين في دوامة اللامبالاة أو حتى الضغوطات الاجتماعية التي تجعلهن غير قادرات على مقاومة تأثيرات البيئة المحيطة وهذا ينطبق على الأباء , ومن منطلق المثل الشعبي الذي يقول :
" الأم عامود البيت " و الأم هي الي تفرق وتلم " وايضاً " الأم جنة البيت ونارها " .
ولا أريد وضع الضغوطات الاجتماعية والإقتصادية الخانقة كشماعة لتبرير السلوك العدواني بأشكاله ، حيث لو رجعنا الى دور الاجداد وسلطنا الضوء على قلة الإمكانيات و الجهد الكبير في تأمين أدنى مقومات الحياة ، إلا انها كانت رمز للحكمة و الاخلاق الكريمة و النبيلة التي تُورث و تُدرس .
وبالعودة الى مسببات السلوك العدواني ،
لا يقتصر الأمر على البيت فحسب و الهاتف الذي يحتاج الى مقالات ، بل تمتد هذه السلبية
إلى البيئة المدرسية، حيث يصبح الفصل مسرحاً للتنمر والعنف اللفظي والجسدي. ففي كل زاوية من زوايا المدرسة، تنبعث نسمات عدائية تهدد الجسد و نقاء الروح، وتجبر حتى الطفل السليم، الذي تربى على قيم النبل والأخلاق الرفيعة، على تغيير سلوكه؛ حمايةً لنفسه من أذى قد لا يترك آثاراً مادية ظاهرة فقط ، لكنه يجرح الروح والعزيمة ويدمر النفسية اضافة الى الأثر الجسدي الخطير.
و في هذا المناخ المتأزم الذي يصبح فيه الحفاظ على السلوك النبيل أمراً معقداً، يجد الطفل نفسه أمام خيارين: الاستمرار في طاعة الضمير والتمسك بالقيم التي تربى عليها، أو التكيف مع الواقع الذي يفرض عليه اتخاذ مواقف دفاعية لحماية ذاته من الأذى، سواء كان جسديًا أو لفظيًا. وهنا تكمن المفارقة المرة؛ فالقيم النبيلة التي كانت يوماً منارة للأمل تصبح عبئاً في عالم لا يرحم الضعفاء
.
ومن خلال تجربتي الشخصية، لاحظت تفعيلًا مثمرًا لدور الإرشاد المدرسي في مدارس الثقافة العسكرية
تُعقد هناك ندوات شاملة ومثمرة تجمع بين الطلاب والأمهات والآباء على حد سواء، مما يعزز من وعي الجميع حول أهمية التعامل مع التحديات والضغوط التي تواجه الأطفال و الفتيات في عمر الورد . إن المرشدات في هذه البيئة يتمتّعن بثقافة عالية وسعة صدر تمكنهم من تحمل العديد من المشكلات والضغوطات، وتقديم الحلول المناسبة بفعالية ومهنية.
هذا النموذج الواعد يُعد مثالاً يُحتذى به في تفعيل الإرشاد المدرسي.
من الضروري أن تنتشر مثل هذه الندوات والبرامج الإرشادية في المدارس الحكومية و الخاصة للمعلمين و المعلمات و الطلاب بشكل أوسع وأكثر فعالية لأن المدرسة هي البيت الثاني والمعلم والمعلمة في المراحل الاساسية الى عمر الزهور يجب ان يكونوا على دراية كافيه في مثل هذه التصرفات و ان يكونوا نموذجاً للأطفال يحتذى به ولدينا كثير من النماذج التي نعتز ونفتخر بها على أن تُأخذ تجربة مدارس الثقافة العسكرية كنموذج يُحتذى به لتفعيل الإرشاد المدرسي ودعم الطلاب وأسرهم في مواجهة تحديات العصر …
إن هذه الظاهرة التي تنعكس على عدة مستويات من المجتمع تستدعي منا جميعاً وقفة جادة وإعادة تقييم لكيفية تربية الأطفال وحمايتهم من تأثيرات بيئية سامة. ومن واجب الأسرة والمدرسة والمجتمع بأسره أن يعملوا يدًا بيد لاستعادة قيم الاحترام والتعاون، وأن يعيدوا للأطفال براءتهم وثقتهم بأنفسهم قبل أن نوضع في حدث جلل لا يمكن حينها أن نعيد شيء مما تم سلبه لتحترق قلوبنا ألماً .
لذلك على وزارة التربية والتعليم التشبيك الفعلي مع مراكز حماية الأسرة و طاقم الإرشاد المدرسي و الصحة النفسية التي يجب ان يكون لهم دور مهم في كل مدارس المملكة … لحل عدم استجابة بعض الأهالي للملاحظات التي يتم ارسالها بخصوص اي سلوك عدواني لطفل او احد الأبناء و اتخاذ اجراءات حقيقية حسب الأنظمة والتعليمات تحت مظلة القانون ،
لإن طفل عدواني واحد ، لا يتم علاجه ، من الممكن أن يكون تلك السوسة التي نخرت عظم صف بأكمله وكانت سبباً لحرق ما تبقى من جسدٍ بريء .