رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

الهزة الأرضية في العقبة اليوم… ماذا تريد الأرض أن تخبرنا؟ كتب أ.د. محمد الفرجات

الهزة الأرضية في العقبة اليوم… ماذا تريد الأرض أن تخبرنا؟  كتب أ.د. محمد الفرجات
جوهرة العرب 

أ.د. محمد الفرجات

اليوم، اهتزت العقبة على وقع زلزال بلغت قوته 4 درجات على مقياس ريختر، في حدث ليس بالجديد على هذه المنطقة التي تعد جزءًا من حزام زلزالي نشط يمتد عبر حفرة الانهدام العظيم. ليست الأرض هنا صامتة، بل تتحدث بلغة الزمن والجيولوجيا، ترسم ملامح تاريخها العريق، وتحمل بين طياتها أسرار الحضارات التي استوطنت هذا الخليج منذ آلاف السنين.

العقبة… مدينة تقوم فوق سجل جيولوجي 

العقبة ليست مجرد مدينة ساحلية، بل هي بوابة جيولوجية إلى أعماق تاريخ الأرض. إنها تقع ضمن حوض رسوبي عميق، تكوّن نتيجة حركات الصفائح التكتونية على طول صدع البحر الأحمر، الذي يتسع ببطء بفعل انفتاح القشرة الأرضية. هذه العمليات المستمرة، التي تتجسد في الهزات الأرضية، ليست مجرد اضطرابات عابرة، بل هي القوة التي أعطت العقبة خليجها، وأسست بيئتها الفريدة، وأسهمت في تشكل مواردها الطبيعية.

تشير الدراسات الجيوفيزيائية إلى أن الغطاء الرسوبي في العقبة يصل إلى سماكة تقارب 2000 متر، ما يطرح تساؤلات حول ما قد يكون مدفونًا تحتها من آثار مدن ومستوطنات قديمة، دفنتها الفيضانات والتغيرات التكتونية عبر العصور.

الهزات الأرضية… رسائل من الأعماق

الهزة الأرضية التي شهدتها العقبة اليوم ليست استثناءً، بل هي جزء من نشاط زلزالي مستمر في المنطقة، حيث تتحرك الصفائح التكتونية في البحر الأحمر ووادي الصدع العظيم بانزلاقات بطيئة، تنتج عنها هزات متفاوتة الشدة. لكن ما الذي تريد الأرض أن تخبرنا به؟

1. التذكير بديناميكيتها المستمرة: هذه الحركات ليست مجرد ظواهر طارئة، بل هي جزء من دورة طبيعية مستمرة تساهم في تشكيل التضاريس، ورفع الجبال، وفتح البحار والمضائق.


2. تنبيه إلى المخاطر المحتملة: النشاط الزلزالي في العقبة يدعونا إلى اتخاذ إجراءات هندسية أكثر صرامة في تخطيط المدن والبنية التحتية، لتكون مقاومة للهزات المستقبلية.


3. فرصة لدراسة التراكيب الجيولوجية: قد تتيح هذه الزلازل فرصة للعلماء لدراسة التكوينات العميقة تحت العقبة، باستخدام تقنيات المسح الزلزالي، للكشف عن أي أدلة لآثار قديمة أو تراكيب جيولوجية جديدة.


بين الماضي والمستقبل… كيف نستفيد من دروس الأرض؟

لقد شكلت الحركات التكتونية تاريخ الأرض، وهي التي رسمت حدود القارات، وشكلت البحار والمحيطات، بل وأثرت في المناخ والتنوع البيئي. في العقبة، نحن أمام نموذج حيّ لهذه الديناميكية، حيث أن صدع البحر الميت لم يمنحنا خليج العقبة فقط، بل وفر بيئة مثالية للحياة البحرية، والأنشطة الاقتصادية، والتجارة العالمية.

لكن مع هذا الإرث الجيولوجي الغني، يأتي التحدي: كيف نوازن بين استغلال البيئة الطبيعية والاستعداد لمخاطرها؟ كيف نحمي مدينتنا من الزلازل، دون أن نفقد ميزة العيش في بيئة بحرية فريدة تشكلت عبر ملايين السنين؟

العقبة… حيث يتجلى التاريخ الجيولوجي في حاضرنا

ما حدث اليوم هو تذكير بأن الأرض ليست ساكنة، وأن العقبة ليست مجرد مدينة على البحر، بل هي جزء من قصة جيولوجية ممتدة منذ ملايين السنين. ربما تكون هذه الهزات فرصتنا لفهم أعمق لطبيعة المنطقة، ولإعادة التفكير في كيفية التكيف مع قوى الأرض، لا فقط لتجنب المخاطر، بل لاستغلال هذه الطاقة الطبيعية في فهم أسرار الماضي وبناء مستقبل أكثر أمانًا واستدامة.

إنها الأرض تتحدث… فهل نصغي لها؟