في قلب النظام التعليمي الأردني، حيث يُفترض أن تكون المدارس بيئة آمنة تحتضن أطفالنا وتربيهم، انفجرت مأساة تكشف عن حجم الفساد والتقصير والإهمال الذي ينهش في جسد هذا القطاع. الطفل محمد الحميدي، طالب في إحدى مدارسنا الحكومية، لم يكن يعلم أن دخوله إلى مطبخ المدرسة لإحضار مكنسة، بأمر من أحد معلميه، سيكون نقطة تحول في حياته، بل وكاد أن يكون لحظة النهاية.
*الجريمة المروّعة: من المسؤول؟*
داخل مطبخ المدرسة، وُجد محمد أمام زميلين له، مع جالون من الكاز المستخدم -كما يبدو- للتدفئة، ليُسكب عليه الكاز ثم يُشعل بواسطة ولاعة، ليتحوّل جسده الغض إلى شعلة من اللهب! مشهد مأساوي لا يمكن لعقل أن يتقبله، خاصة أنه وقع داخل أسوار مؤسسة تربوية من المفترض أن تكون ملاذًا آمنا للأطفال.
لكن ما زاد الطين بلة، هو محاولة مدير المدرسة التغطية على الجريمة والضغط على الطفل المحروق ليعترف -كذبا- بأنه هو من أحرق نفسه! هنا، يصبح السؤال مصيريا: لماذا حاول المدير طمس الحقيقة؟ ولصالح من كان يعمل؟ كم من مدراء المدارس لدينا مستعدون للتلاعب بالحقيقة لحماية مصالحهم الخاصة على حساب الأطفال الأبرياء؟
*مدارس بلا بيئة آمنة.. من المسؤول؟*
لنكن صريحين، مأساة محمد الحميدي ليست مجرد حادثة فردية، بل هي نتيجة طبيعية لواقع مزرٍ تعاني منه مدارسنا الحكومية، خاصة في الأرياف والبوادي. فمدارس كثيرة تفتقر لأبسط المقومات الأساسية، ومنها:
غياب "الآذن" المدرسي: في العديد من المدارس، يُكلَّف الطلاب بأعمال النظافة، لأنها ببساطة لا تملك موظفا رسميا لهذا الغرض! من المسؤول عن هذا الإهمال؟ وكيف يُسمح بإرسال الأطفال إلى أماكن غير آمنة كالمطابخ المدرسية، حيث تتكدس المخاطر؟
التدفئة القاتلة: بينما تكافح الدول المتقدمة لتوفير بيئات تعليمية متطورة وآمنة، لا تزال مدارسنا تُدفّأ بصوبات الكاز والديزل، رغم مخاطرها الجسيمة. الحريق الذي أصاب محمد الحميدي دليل حي على الكارثة الكامنة في هذه الوسائل البدائية، لا سيما عندما لا يكون هناك شخص مسؤول عن تشغيلها وإطفائها.
*هل يُعقل هذا يا معالي الوزير؟*
في بلد كالأردن، الذي يمتلك فائضا في إنتاج الكهرباء ويسعى لتصديرها، كيف لا تستطيع الحكومة تأمين تدفئة آمنة ومستدامة لمدارس أطفالها؟ هل يعقل أن أطفالنا ما زالوا يُعانون من البرد القارس في مدارسهم، بينما يتم تخصيص الميزانيات لمشاريع لا تخدم سوى فئات محددة؟
*رسالة إلى الحكومة: كفى إهمالًا!*
مأساة محمد الحميدي يجب أن تكون نقطة تحوّل، لا حادثة تُطوى مثل غيرها. نطالب بما يلي:
1. محاسبة المدير والمسؤولين عن الجريمة، وعدم السماح بأي تلاعب بالتحقيقات.
2. توفير "آذن" رسمي لكل مدرسة، حتى لا يتم استغلال الأطفال في أعمال لا تليق بهم.
3. إلغاء استخدام صوبات الكاز والديزل في المدارس فورا، واستبدالها بتدفئة كهربائية آمنة.
4. إعادة النظر في بيئة المدارس الحكومية، وتحسينها بشكل يضمن سلامة الطلاب وكرامتهم.
*تحية للدكتور فراس حماد الجحاوشة*
في خضم هذه المأساة، برز موقف نبيل يستحق الإشادة. فقد تكفَّل الدكتور فراس حماد الجحاوشة مشكورًا بتدريس الطفل محمد في مدرسة خاصة على نفقته، متحملًا جميع المصاريف. هذا هو الوجه الحقيقي للمواطنة الصادقة والإنسانية التي نحتاجها، عندما تعجز الدولة عن القيام بواجبها.
*الخاتمة: لن نصمت!*
*هذه القضية ليست مجرد خبر عابر، بل هي صرخة في وجه كل مسؤول صامت ومتخاذل. لن نصمت عن حقوق أطفالنا، ولن نسمح بمرور هذه الجريمة دون محاسبة. اليوم محمد الحميدي، وغدا من؟!*