«يوم المرأة العالمي» ليس مجرد تاريخ يُضاف إلى التقويم، بل وقفة تأمل في كل خطوة خطتها النساء بشجاعة، في كل باب فُتح بإصرارهن، وفي كل صوت كان يوماً خافتاً ثم صار نبض اًلا يصمت. في كل عام، تمرّ هذه المناسبة، تُرفع الشعارات، وتُلقى الكلمات عن حقوق النساء وإنجازاتهن. ورغم كل ما تحقق، ورغم أننا أصبحنا فخورين بما وصلت إليه المرأة في مجالاتٍ عدة؛ من العلوم إلى السياسة، ومن الاقتصاد إلى الفنون، إلا أن هناك نساءً لهن أيادٍ بيضاء لا يقترب من معاناتهن أحد. في تلك الزوايا التي لا تُسلَّط عليها الأضواء، تُصنع البطولات في الخفاء، وتُبذل جهودٌ بلا تصفيق، لكنها وحدها التي تحفظ تماسك هذا العالم. في بقاع العالم المنسية، حيث تبتلع الحرب المدن، ويصبح اللجوء قدراً قاسياً لا مفرّ منه، هناك أمهاتٌ يحملن أطفالهن في قلوبهن قبل حملهم على أكتافهن، يسرن في طرقاتٍ موحلة، وينمن بعيونٍ مفتوحة، خوفاً من المجهول. لا تصل إليهن كاميرات الإعلام، ولا توثّق الإعلانات نظراتهن الممتلئة بالصبر والصمود. هؤلاء هنّ اللواتي يستحققن أن يُضاء لهن يومٌ في كل يوم، لا أن يُمرّ عليهن مرور الكرام. في قلب القارة السمراء، حيث الشمس تحرق الأرض، هناك أم إفريقية تجابه الجوع، وتحارب الفقر الذي يسرق أحلام أطفالها، وتصمد أمام العنف الذي يطاردها في كل لحظة، وأمام عنصرية سلبت إنسانيتها. تهرب من موت إلى موت، تضع طفلها على ظهرها وتعبر الصحارى والبحار بحثاً عن حياة كريمة، لكن العالم يغلق في وجهها الأبواب، فلا وطن يحتضنها، ولا إنسانية تنصفها. وفي فلسطين، حيث الحصار يضيّق الخناق، والسماء تمطر نيراناً بدل المطر، هناك امرأة تحفظ خريطة الوطن في ذاكرة قلبها قبل عقلها، وتزرع الزيتون على أمل أن يكبر في زمنٍ آخر لا تعرف فيه القنابل طريقاً إلى الأحلام والأطفال. هناك أمٌّ تحتضن طفلها وسط أنقاض بيتها، وفتاةٌ صغيرةٌ تسير إلى المدرسة رغم الركام، وأسيرةٌ تقاوم خلف القضبان بكرامةٍ لا تنكسر. ليست المرأة الفلسطينية فقط أمّ شهيد أو زوجة أسير، بل هي التي تبني رغم الهدم، وتحلم رغم العتمة، وتُصرّ على الحياة وسط الموت، فلا قنوط ولا يأس من رحمة الله. لكن، أي صورةٍ تُقدَّم عن المرأة في عالمٍ تتحكم فيه الشاشات؟ الإعلام، الذي يُفترض أن يعكس الحقيقة، والفن، الذي يجب أن يكون مرآةً للمجتمع، قدّما صورةً ضيقةً للمرأة؛ فهي إمّا ضحية دائمة تستجدي التعاطف، أو كيان يُختزل في مظهرٍ يُباع ويُشترى. وبين دراما تستسهل وضع المرأة في قوالب تقليدية، وإعلانات تصنع لها صورة زائفة، تُمحى الملامح الحقيقية للمرأة التي تقف في الصفوف الأولى للحياة، لا على هوامشها. في يوم المرأة العالمي، يمكننا أن نحتفي بالمرأة الحقيقية بكفاحها، بتضحياتها التي لا تُرى، وبقوتها التي لا تحتاج إلى شهادة اعتراف. أن نرى المرأة التي تحمل وطناً صغيراً بين يديها، بعد أن نبت في رحمها واحتضنه قلبها، لا تلك الصورة التي يصرّ عليها الإعلام والإعلان . تحية إلى كل امرأة تصنع معنى الحياة بكفاحها، كل أم تهدهد طفلها وسط القصف، كل عاملة تستيقظ قبل الشمس لتطعم أبناءها، كل لاجئة تعلّم طفلتها كيف تمسك القلم رغم الخراب، كل أم إفريقية تواجه الفقر والعنف والهجرة القسرية والعنصرية، كل امرأة فلسطينية تزرع الحياة وسط الركام.. أنتنّ الأحق بهذا اليوم، وبالاحتفاء بكنّ كل يوم.