رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

بين الوهم والحقيقة: من المثل العليا للتسويق إلى المعارك التجارية كتب أ.أحمد الغزو

بين الوهم والحقيقة: من المثل العليا للتسويق إلى المعارك التجارية كتب أ.أحمد الغزو
جوهرة العرب 
أ.أحمد الغزو
لم يعد التسويق في عصرنا الحديث وسيلة لنقل القيمة الحقيقية للمنتجات، أو بناء جسور الثقة بين العلامات التجارية والجمهور؛ بل أصبح في أحيان كثيرة ميدانًا لمعركة خفية تنطلق فيها أساليب مغرضة وحملات مضللة، وفي ظل تسارع التنافس بين الشركات، ظهرت أساليب تسويقية تُدس فيها بذور الكراهية والتحريض، فتحولت المنافسة الشريفة إلى صراعٍ مليء بالتلاعب والكيد، حيث يسعى كل طرف لاقتناص حصة السوق عبر إضعاف المنافس، مهما كان الثمن.
"استغلال الكراهية والتحريض في التسويق: معركة من أجل الجمهور"
إن التسويق ليس سوى انعكاس للمبادئ التي تتبناها الشركة؛ ففي حين كانت قواعد التسويق الكلاسيكي قائمة على تعزيز جودة المنتج، وخدمة المستهلك بصدق، تحولت اليوم بعض الشركات لاستخدام أساليب تشوه المنافسين وتنال منهم علنًا أو ضمنًا، ففي كل حملة تشويه تُشن ضد المنافس، تجد عملًا خبيثًا؛ لإثارة الكراهية والتحريض، وذلك في محاولة لتحطيم سمعة المنافس بدلًا من التركيز على الابتكار وتحسين الجودة، وبدلًا من السعي لتقديم منتج يفخرون به، يلجأ بعض المسوقين إلى أسلوب "المهاجمة" وتشويه صورة الآخرين.
"الأساليب الدعائية المضللة: التلاعب بعقل المستهلك وثقة الجمهور .."
لا شك أن للإعلانات والدعاية قوة تأثير كبيرة، إلا أن بعض الشركات اتخذت من التضليل واستغلال عواطف المستهلكين مسارًا لها، فنراها توظف صورًا وأوصافًا كاذبة؛ لخلق انطباعات مزيفة حول منتجاتها، ولا تكتفي هذه الشركات بإبراز ما لديها فحسب، بل تدفع بمنتجات المنافسين في دوائر الشك عبر الإشاعات والافتراءات.
 ففي هذا السياق، تظهر تلك الحملات وكأنها محاولة لخلق "عدو مشترك"، مما يحوّل التسويق إلى معركة نفسية تدفع بالمستهلكين لاتخاذ موقف سلبي تجاه علامات معينة دون دليل حقيقي.
"حملة التأجيج بين الجمهور والمنافسين: تعصّب متزايد وخسارة للقيم الأخلاقية"
في محاولات تسويقية عابرة لكل معايير الأخلاق، تعمل بعض الشركات على تأجيج الولاء الأعمى لدى جمهورها، بحيث يتحول إلى تعصب ضد كل من يختار منتجات المنافسين، إذ يُبنى هذا الولاء من خلال رسائل تستفز الجمهور وتغرس في عقولهم فكرة التفوق الوهمي، وتجعلهم يعتبرون كل علامة تجارية أخرى "تهديدًا" لمصالحهم أو رفاههم، وبهذا، تتبدل المنافسة الحرة إلى نوع من "التشاحن الجماهيري"، حيث يصبح المستهلك أداة لمعاداة كل من يختار المنتج المنافس، وهي نزعة مؤذية لا تتفق مع قيم التسويق النبيل.
"محتوى كاذب ومضلل: الانحراف عن مسار الشفافية"
في خضم هذا السعي وراء الهيمنة التسويقية، تتورط بعض الشركات في نشر محتوى مُضَلِلٍّ، يُظهر منتجاتها وكأنها مثالية، ويشوه المنتجات الأخرى دون دليل، حيث تستغل هذه الشركات الإعلام والمشاهير وحتى المؤثرين على مواقع التواصل، فيروجون دون وازع أخلاقي لمنتجات قد تفتقر للمصداقية أو الجودة المطلوبة، فقط مقابل مصلحة مالية، هذا النوع من التسويق يؤدي إلى تضليل المستهلك ودفعه لاتخاذ قرارات شراء غير واعية، مما يزرع الخيبة، ويقلل من ثقته في التسويق ككل، ويضر بسمعة الصناعة.
"بين القيم والممارسات: استعادة الشفافية والمصداقية"
إن هذه التحولات في أساليب التسويق تطرح تساؤلات جدية حول مصير أخلاقيات المهنة؛ إذ لم يعد يكفي الحديث عن مسؤولية الشركات فحسب، بل بات لزامًا على المستهلك أيضًا أن يكون واعيًا، وقادرًا على التمييز بين الحقيقة والزيف، وبين الصدق والتحريض، ومع تصاعد الأصوات الداعية إلى إعادة صياغة القيم التسويقية، برزت الحاجة إلى استعادة مسار الشفافية والنزاهة، بحيث تكون قيمة المنتج وجودته هما الأساس في نجاحه، وليس الهجوم على الآخرين أو تشويه سمعتهم.
إنّ التسويق، شأنه شأن أي نشاط مهني، يجب أن يُبنى على القيم الصادقة والأخلاقية، وبالرغم من أن المنافسة ضروريّة لبقاء الشركات وتطورها، إلا أن الحقد والتحريض على المنافسين لن يُثمر إلا عن تراجع ثقة المستهلكين، وتدهور مكانة الشركات أمام الجمهور.
فما أحوجنا اليوم إلى العودة لقواعد التسويق النبيل، الذي يعلي من شأن الجودة والشفافية، ويبتعد عن أساليب التحريض والتضليل، فبذلك وحده يمكن للشركات أن تكتسب احترام المستهلك وثقته، وتُعيد للتسويق دوره كأداة إيجابية تُساهم في بناء مجتمعات أكثر وعيًا وثقةً، وازدهارًا.