حين ترتدي النوايا أقنعة الأعذار… لعبة الشطرنج الخفية
في مسرح الحياة، لا تُقال كل الكلمات بصوتٍ مسموع، ولا تُعلَن كل القرارات في وضح الشعور. ثمة حديث آخر… حديث يُقرأ بين السطور، ويُفهم من الصمت. فنّ قديم يُتقنه من عرف كيف يُخفي الخنجر في باقة ورد. اسمه: الأعذار المبطّنة.
ليست كل الأعذار هروبًا، بعضها استراتيجية هادئة لتوجيه اللعبة دون أن نمسك القطع بأيدينا. نترك الآخر يتحرك، لكنه يتحرك ضمن حدود رسمناها بعناية.
نقول: "اختر ما تراه مناسبًا"، لكننا نكون قد هيّأنا له الطريق إلى ما نريده نحن.
نقول: "أنا مشغول، لكنك مهم"، في اللحظة ذاتها التي نمنحه فيها شعورًا بالخذلان المقنّع… ليتخذ هو القرار نيابةً عنّا.
إنها لعبة شطرنج على رقعة مشاعر، لا تُحسم فيها المعركة بنقلة وزير، بل بتردّد بيدق خائف.
نتقن فنّ التظاهر بالتراجع، بينما نُمسك بخيوط النهاية من البداية.
نمنح الآخر وهم الحريّة، بينما نُغلق عليه الباب من الداخل.
إنه الخداع "النبيل" حين يصبح الصدق تهوّرًا، والمواجهة جهلاً، فنختبئ خلف قناع الظروف، والزمن، و"أنا لا أريد أن أضغط عليك".
لكن… من قال إن التأجيل رحمة؟
ومن أوهمنا أن الغموض احترام؟
إنه تواطؤ الروح مع الراحة، وتخلٍّ أنيق عن الشجاعة.
في كل عذرٍ مبطَّن، ضميرٌ يُخدَّر، وقرارٌ يُؤجَّل، وعلاقةٌ تُسلَّم للقدر… عمدًا.
نعم، نخاف من الصراحة، فنصوغ الهروب بلغة راقية كي لا نشعر بالذنب.
ونعم، نتحايل على الإحساس، لأننا لا نحتمل مواجهة أثرنا على الآخر.
فنتركه يتكسّر وحده… ليبدو الأمر قدريًا، بينما نحن كنا اليد الخفية.
لا شيء أنيق في الأعذار حين تكون سكينًا مغلّفة بالحنان.
ولا شيء بريء في ترك الآخر "يقرر"، بينما نحن أهلكناه تلميحًا.
ولا شيء نقيّ في الظلال، حين نتقن الإيماء ولا نجرؤ على النطق.
كفى لعبًا في رقعة المشاعر.
كفانا نُتقن أدوار الشكوى بينما نحن من حرّك اللعبة منذ اللحظة الأولى.