في زمن تتراجع فيه بعض الفنون أمام موجات العولمة والرقمنة، كان للمسرح العربي فارس من نوع مختلف. إنه إسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، الذي أعاد الاعتبار للمسرح العربي وأطلق مشروعًا طموحًا لتحويله إلى قوة ثقافية حية في مختلف الدول العربية. وقد تجلّت أبرز ملامح هذا المشروع في توسيع رقعة المهرجانات المسرحية، وترسيخ المسرح كأداة لبناء الوعي وصون الهوية.
منذ انطلاق مهرجان المسرح العربي عام 2009 في القاهرة، أصرّ إسماعيل عبد الله على ألا يكون الحدث حكراً على بلد واحد. بل تحوّل إلى مهرجان متنقل يجوب عواصم ومدناً عربية، فحطّ رحاله في:
•الأردن (2012)
•الجزائر (2010 و2017)
•تونس (2015)
•المغرب (2017)
•السودان (2019)
•العراق (2024)
هذا التنقل لم يكن مجرد لوجستيات، بل كان يحمل رؤية استراتيجية تهدف إلى ضخ الحياة في المسارح الوطنية، وتشجيع الجمهور المحلي على التفاعل مع عروض من مختلف الثقافات المسرحية العربية.
انطلاقًا من رؤية الهيئة العربية للمسرح بـ”جعل المسرح ضرورة”، أطلق إسماعيل عبد الله سلسلة مبادرات لإنشاء مهرجانات وطنية في دول لم تكن تمتلك تقاليد مسرحية قوية أو بنية تنظيمية متكاملة. ومن هذه المهرجانات:
•مهرجان موريتانيا الوطني للمسرح
•مهرجان جيبوتي الوطني للمسرح
•مهرجان الصومال المسرحي
•مهرجان فلسطين الوطني للمسرح
•مهرجان البحر الأحمر المسرحي (السعودية)
هذه المهرجانات، التي وُلدت بدعم فني ومادي من الهيئة، باتت اليوم منصات تُعبّر عن الهوية الثقافية المحلية، وتحتضن المواهب المسرحية الصاعدة.
عمل إسماعيل عبد الله على بناء شراكات استراتيجية مع وزارات الثقافة في أكثر من 15 دولة، لضمان استدامة هذه المهرجانات. وتشمل هذه الشراكات:
•تقديم الدعم اللوجستي والفني للعروض.
•تدريب الكوادر المسرحية الوطنية.
•تنظيم ورش متخصصة في الكتابة، التمثيل، الإخراج، والإدارة المسرحية.
وقد أثمرت هذه الجهود عن حراك مسرحي غير مسبوق في بعض الدول مثل السودان، واليمن، وفلسطين، التي عادت لتحتل موقعاً في خارطة المسرح العربي رغم التحديات.
لم يكتفِ إسماعيل عبد الله بدعم المسرح في الدول المستقرة، بل توجه إلى المناطق المتأثرة بالأزمات والنزاعات، مثل العراق واليمن والسودان، لإعادة بناء المشهد المسرحي كأداة للسلام والهوية. حيث تم:
•تنظيم عروض ومهرجانات رغم الظروف الصعبة.
•إرسال فرق تدريبية لإعداد الممثلين الشباب.
•إنتاج نصوص مسرحية محلية تُعبّر عن الواقع الاجتماعي والسياسي.
و من خلال جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي، ساهم إسماعيل عبد الله في تحفيز الفرق المسرحية العربية على تقديم أعمال إبداعية تتسم بالقوة الفنية والعمق الفكري، مما أعاد للنص المسرحي العربي مكانته المستحقة.
يرى إسماعيل عبد الله أن المسرح ليس فقط أداة فنية، بل ضرورة مجتمعية. ويطمح من خلال الهيئة العربية للمسرح إلى:
•تعميم التربية المسرحية في المدارس العربية.
•توسيع شبكة المهرجانات لتشمل كل دولة عربية.
•إنشاء مراكز تدريب مسرحي دائم في الدول النامية ثقافيًا.
ما بين العواصم العربية والمناطق الهامشية، استطاع إسماعيل عبد الله أن يُحوّل المسرح إلى مشروع حضاري، وأن يجعل من المهرجانات منصات للحوار، ومن العروض مرايا للواقع العربي. وبينما تتغير الموجات الثقافية، يثبت المسرح بقيادة هذا الرجل أنه ما زال قادراً على الإشعاع، والإبداع، والتغيير