رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

حين يسجل الوطن هدفًا... هل تلتقط السياحة الكاميرا؟

حين يسجل الوطن هدفًا... هل تلتقط السياحة الكاميرا؟

جوهرة العرب
بين المستطيل الأخضر وفسيفساء البترا: هل تحسن الجهات المعنية قنص اللحظة الذهبية؟

بقلم: باسم عارف الشوره 

في لحظات لا تُنسى، وعبر صرخات الفرح التي علت من كل بيت ومقهى وشارع، خطف المنتخب الوطني الأنظار بتأهله التاريخي إلى كأس العالم، حافرًا اسمه بين كبار الكرة العالمية. لكن ما بين فرحة الجمهور ودموع اللاعبين، يلوح سؤال استراتيجي لا يقل أهمية عن الإنجاز نفسه:
هل تلتقط الجهات المعنية هذه اللحظة الذهبية لتسويق الأردن وجهةً سياحيةً عالمية؟ أم أننا نكتفي بمشاهدة المجد وهو يعبر دون أن نلمسه؟

الرياضة: جواز سفر جديد للسياحة

لا شك أن كرة القدم لم تعد مجرد لعبة، بل تحوّلت إلى لغة عالمية عابرة للحدود. تأهل أي منتخب إلى كأس العالم يعني تلقائيًا تسليط عدسات الإعلام الدولي وملايين العيون على علم ذلك البلد، على نشيده، وعلى ملامح لاعبيه. وهو ما يجعل من المشاركة في هذا الحدث منصة دعائية تفوق في تأثيرها أضخم الحملات السياحية.

هنا يُطرح السؤال الحيوي: كيف نحول هذه اللحظة الرياضية إلى فرصة سياحية؟

صوت الجماهير... صدى للهوية الوطنية

في كل مباراة يخوضها المنتخب، تتجه الكاميرات إلى الجماهير. فهل حملت هذه الجماهير شيئًا من روح البلد؟
هل ارتدى المشجعون الشماغ الأحمر، أو رفعوا لوحات تُظهر البترا أو وادي رم؟
هل استغلت الجهات الإعلامية هذه اللحظة لتنسج سردية تقول للعالم:
"تعالوا إلى الأردن، موطن الأسود، ومهد الحضارات"؟

فرنسا تروّج لمتاحفها، اليابان لثقافتها ونظامها، والمغرب لصحاريها وأسواقها الشعبية... أما نحن، فنملك كنوزًا تاريخية وجغرافية وإنسانية لا مثيل لها، لكننا كثيرًا ما نفوّت اللحظة.

التأهل... فرصة لإطلاق حملة وطنية جامعة

من الممكن – بل من الواجب – أن تتبنى وزارة السياحة، بالتعاون مع الاتحاد الأردني لكرة القدم وهيئة تنشيط السياحة، حملة وطنية متكاملة تحمل رسالة موحدة تُبث عبر الشاشات، وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار بسيط وعميق، مثلا:

"الأردن: حيث يبدأ المجد من الملاعب ويستمر في الصحراء"



هذه الحملة يمكن أن تتضمن:

فيديوهات قصيرة تُعرض خلال المباريات، تدمج لقطات من الأهداف الحاسمة مع مشاهد البترا ووادي رم والبحر الميت.

حملات رقمية مدفوعة تستهدف جماهير الكرة في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية برسائل عن جمال الأردن وتنوعه الثقافي.

مبادرات شعبية مثل ارتداء الجماهير قمصانًا تمثل مواقع سياحية، أو إطلاق أغانٍ وطنية تروج للهوية المحلية.


كرة القدم لا تُلعب بالأقدام فقط... بل بالعقول أيضًا

إذا أردنا أن نكون صريحين، فإن الإنجاز الكروي بلا استثمار وطني أوسع سيظل ناقصًا.
لقد منحتنا الرياضة جواز عبور إلى قلوب الملايين، لكن الأمر متروك الآن للعقول المؤسسية: هل نملك رؤية تسويقية ذكية؟
هل هناك تنسيق بين الوزارات المعنية؟ هل الإعلام الرسمي والتجاري مستعد لإنتاج محتوى يوازي هذا الحدث؟
أم أننا سنكتفي بالتغني بالإنجاز، وندع الفرصة تمر كما مرت غيرها؟

الدرس من الآخرين: كيف تصنع الدول روايتها؟

دعونا نتأمل كيف وظّفت بعض الدول مشاركتها في كأس العالم:

قطر 2022: لم تكتف قطر بتنظيم البطولة، بل جعلتها منصة تعريفية بهويتها وتراثها، عبر تصاميم الملاعب، والفعاليات الثقافية، والأزياء، وحتى الطعام المقدم للجماهير.

المغرب: بعد التأهل لنصف النهائي، لم تتردد السلطات في دعوة المشاهير والمؤثرين لزيارة البلاد، وفتح مسارات سياحية تستلهم روح "أسود الأطلس".

كرواتيا: بعد نجاحها في 2018، شهدت البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في عدد السياح، والفضل يعود لحملة ترويجية موازية جعلت من شواطئها ومتاحفها امتدادًا لنجاح المنتخب.


الخاتمة: فرصة لا تتكرر... فهل نغتنمها؟

إن تأهل المنتخب الوطني إلى كأس العالم هو أكثر من إنجاز رياضي؛ هو نافذة عالمية، وإشراقة وطنية، وصفحة بيضاء يمكن أن نكتب عليها قصة أردنية كاملة.

لكن هذه القصة لن تُكتب وحدها. تحتاج إلى مبادرة من الجهات المعنية، وإلى إبداع إعلامي وتسويقي، وإلى **رغبة حقيقية بأن يكون اسم الأردن حاضرًا في الوجدان العالمي لا كلاعب فقط، بل كحضارة ومقصد وتجربة.

فلنحوّل لحظة الانتصار إلى مسار دائم...
ولتكن كل تمريرة في المونديال، دعوة لزيارة وطن لا يُشبه أحدًا.