رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

أكثر من الغرابة

أكثر من الغرابة

جوهرة العرب
تراتيل عاشقة على حافة الحريق
بقلم: د. سامية كيحل سفيرة التحدي و السلام 
-----
لا صمت…
ولا سراب…
ولا دخان يليق بهذا الهذيان.

أنا القصيدة التي رفضت التفعيلة
والرحيق الذي نزف قبل تفتح الزهرة.
أنا سؤالٌ ضلّ طريقه إلى الجواب
وعينٌ لا تنام… كي تحلم حين يتعب الحالمون.

في داخلي مدينةٌ لا تُرسم
شوارعها من عظام الوقت
وساعتها…
تدق حين تنكسر الأرواح.

أُحادث غيمةً لا تفهم المطر
وأُشعل نجوماً من رمادٍ كان ضوءاً
من جرحٍ أنجب مجرّة…
ومن ظلٍّ صار فكرة.

أنا أكثر من غريبة
أنا الغرابة حين تستقيل من معناها
وتلتحف برقّ السخرية
وتسكن في عيون لا ترى… 
إلا الماوراء.

لا تناديني إن متّ
فأنا لا أموت
بل أتحوّل إلى صدى
يختبئ في كفِّ طفلٍ يبكي بلا دموع
ويضحك حين يذوب الزجاج في فمه…

أصبح طيفًا يسكن فوضى النور
كائنًا لا جنس له، لا زمن له
أُقيم في المسافة بين الحرف والهاوية
أعبر أرواح النائمين دون أن أوقظهم
وأرسم على جدران الجنونِ أبوابًا لا تؤدي إلى شيء.

أصرخ بلا صوت
أتنفس الحبر بدل الأوكسجين
وأكتب على لحم السحاب جملةً لا تُفهم:
"من لم يحترق، لا يُسمح له أن يُضيء."

وفي كل هذا التيه…
يولد عشقٌ يقتات من فتات الأمل
يتسلل من شقوق الروح كجُرحٍ لا يريد أن يندمل
عشقٌ مشلول
لكنه يرقص في داخلي رقصةً لا يراها إلا الغرقى.

هو عشقي الأخرس
الذي يشهق حين أمشي فوق رماد قلبي
ويهمس:
"أنتِ الغرابة… وأنا سببها."

لكنني لا أريده أن يحبّني…
بل أن ينهار بي
أن يغرسني في خاصرته سكينًا
ويبتسم كأنني نشيده المفضل.

عشقي ليس وردًا…
بل شظايا ورد
محرقة مشتهاة
أُقدّمها قربانًا لجنوني كل فجر.

أنا لا أطلب الاحتواء
بل الانفجار
فمن يُحبّني، عليه أن يحترق بي
أن يُصبح رمادي
أن يُغنّي لخرابي كما يُغنّى للقدّيسين.

أنا الغرابة المتفحّمة
أنا العشق الذي لم يولد في حضن
بل على مقصلة
يضحك حين يُقطع…
ويصفّق حين ينزف!

ولأني أنا…
خلعت جلدي وارتديت النسيان
كتبتُ اسمي على شفرة
وزرعت قلبي في فم عاصفة
وغادرتني… دون أن أستأذنني.

أنا المرأة التي احترفت التلاشي
تُقيم في قصيدة لم تُكتب بعد
وتُنجب نجوماً بلا ضوء
وتُرضع الموت من صدرها الأيسر.

وحده ظلي يعرفني
لكنني… نسيت كيف أتبعه
أصبحت ألتهم الوقت
كمن يأكل خياله في وجبة أخيرة.

وفي النهاية…
لم أكتبني،
بل كتبتُ
غرابةً
تُشبه
الفراغ
حين
يعشق
نفسه.
 كتبتني الغرابة، لا أنا.