رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

بين المهنية والفوضى … الحاجة إلى تنظيم الإعلام الرقمي في الأردن

بين المهنية والفوضى … الحاجة إلى تنظيم الإعلام الرقمي في الأردن

جوهرة العرب 

انتصار السواريه 
يشهد الإعلام الرقمي في الأردن توسعًا غير مسبوق في السنوات الأخيرة، مدفوعًا بانتشار منصات التواصل الاجتماعي وتزايد الاعتماد على الإنترنت كمصدر رئيسي للمعلومات والتفاعل. هذا التوسع، رغم ما يحمله من فرص، يرافقه تحديات خطيرة تهدد مهنية الإعلام، وحقوق المؤسسات المرخصة، بل وحتى السلم المجتمعي. وعليه، فإن تنظيم الإعلام الرقمي وضبط المحتوى الإلكتروني لم يعد ترفًا، بل بات حاجة وطنية ملحة تفرض نفسها على صناع القرار وعلى هيئة الإعلام التحرك العاجل والجاد لمواجهتها.

في الوقت الذي تخضع فيه المؤسسات الإعلامية التقليدية والإلكترونية لقوانين واضحة، وتدفع الضرائب والرسوم وتلتزم بأخلاقيات المهنة، نجد أن الكثير من الأفراد يمارسون العمل الإعلامي على مواقع التواصل الاجتماعي دون أي ترخيص أو التزام. يفتح هؤلاء صفحات شخصية أو "بودكاستات” أو قنوات تحمل طابعًا خبريًا أو تحليليًا، ويتناولون قضايا عامة وحساسة دون رقابة أو مساءلة، وهو أمر يخلق خللًا في عدالة المنافسة، ويضرب مصداقية المهنة.

أين العدل في أن تخضع مؤسسة إعلامية لكل أشكال التدقيق المالي والقانوني، بينما يعمل فرد واحد عبر هاتفه المحمول في تقديم محتوى إعلامي غير منضبط ولا يُحاسب؟ كيف يمكن القبول باستمرار هذا الوضع، بينما يدفع الإعلاميون المهنيون ثمن التزامهم، ويعاني السوق من فوضى إعلامية غير مسبوقة؟

إن غياب التنظيم يفتح الباب أمام الشائعات، وخطاب الكراهية، والابتزاز، والانتحال، ويعرض النسيج المجتمعي للاهتزاز، ويضعف ثقة الجمهور بالمصادر الإعلامية الجادة. كما أن الاستمرار في التغاضي عن هذه الممارسات يعزز ثقافة "الفوضى الرقمية”، ويضر حتى بفرص الاستثمار في الإعلام، ويضع الأردن في موقف حرج أمام التحولات الرقمية العالمية.

لهذا، فإن المطلوب اليوم من هيئة الإعلام ووزارة الاقتصاد الرقمي العمل على:
1.وضع تشريعات واضحة تنظم المحتوى الرقمي وتحدد من يحق له ممارسة العمل الإعلامي على الإنترنت.
2.إلزام المؤثرين والمحتوى الإخباري الرقمي بالحصول على ترخيص إذا كانت طبيعة المحتوى تدخل في العمل الإعلامي.
3.وضع معايير مهنية وضريبية تضمن المساواة بين المؤسسات الإعلامية والأفراد العاملين في المجال.
4.تعزيز دور الهيئة في الرقابة الإلكترونية بالتعاون مع الجهات القضائية والأمنية لحماية المحتوى العام وضمان نزاهته.
5.تقديم دعم للمؤسسات الإعلامية الرقمية المرخصة لتطوير أدواتها بما يتناسب مع العصر الرقمي.

ختامًا، إن ترك الإعلام الرقمي دون تنظيم هو بمثابة التخلي عن سيادة الدولة في الفضاء الإلكتروني. وفي عصر تتغير فيه أدوات التأثير أسرع من القوانين، فإن المسؤولية تقع على الجميع: الدولة، والمؤسسات، والمجتمع، لصياغة مشهد إعلامي يحترم الحريات، لكنه لا يفتح الباب للفوضى. فالتنظيم ليس قيدًا على الحرية، بل هو حاميها وضامن استدامتها