الصباغ: التكنولوجيا أداة مهمة، لكنها لا يمكن أن تحل محل الصحفي
بكور: الانتقال إلى الصحافة الرقمية أصبح ضرورة
الخطيب: حرية التعبير يجب أن تبقى خطًا أحمر
أبو الهيل: التكنولوجيا استدرجت الجميع إلى ساحتها وأصبحت أداة ابتزاز
منصور: الإعلام العربي يواجه مثلث التحديات
ضمن فعاليات ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال الذي جاء بعنوان من الحماية والحرية إلى التمكين والتغيير، انعقدت جلسة حوارية عنوانها "حرية التعبير والإعلام في العالم العربي بين رهانات التحديث والديمقراطية المؤجلة"، وشارك في النقاش ميسر الجلسة مكي هلال، والمتحدثين رئيس مؤسسة نخيل عراقي الثقافية، مجاهد أبو الهيل، والكاتبة المستقلة والصحفية الاستقصائية رنا الصباغ، والصحفي والكاتب المصري خالد منصور، ومديرة النشر لمنصة المغرب حنان بكور، وممثل المعهد الهولندي للديمقراطية متعددة الأحزاب في الأردن بشار الخطيب.
وقالت الكاتبة والصحفية الاستقصائية، رنا صباغ إن الحديث عن الديمقراطية في المنطقة العربية بات أمرًا غير واقعي، ولا وجود للديمقراطية في منطقتنا ولا في العالم، بل هناك أنظمة اقتصادية متوحشة تهيمن عليها القوى الكبرى.
وأضافت أن غياب الديمقراطية الحقيقية انعكس على البيئة العربية، التي وصفتها بأنها "بيئة طاردة" لا تشجع على التفكير النقدي أو حرية الرأي منذ التعليم في المنزل مرورًا بالمدرسة ووصولًا إلى الجامعة، معتبرةً أن هذه البنية أنتجت أجيالًا غير قادرة على طرح الأسئلة أو ممارسة النقد بحرية.
وأشارت الصباغ إلى أثر التكنولوجيا على العمل الصحفي، مؤكدة أنها سهّلت الوصول إلى المعلومات وسرّعت من عمليات الفرز والبحث، لكنها في المقابل زادت من مخاطر التجسس على الصحفيين وخرق حياتهم الخاصة، لافتة إلى أنها تعرّضت شخصيًا لاختراق هاتفها ست مرات، ما دفعها إلى العودة إلى الأساليب التقليدية مثل كتابة الملاحظات على الورق والابتعاد عن استخدام الهاتف في المقابلات الحساسة.
وقالت إن التحدي الأكبر أمام الصحفيين الاستقصائيين اليوم هو إيجاد توازن بين الاستفادة من أدوات التكنولوجيا الحديثة وبين حماية أنفسهم ومصادرهم من المراقبة والابتزاز، مؤكدة أن "التكنولوجيا أداة مهمة، لكنها لا يمكن أن تحل محل الخبرة الإنسانية، التي تبقى جوهر العمل الصحفي.
ومن جانب آخر قالت مديرة النشر في منصة المغرب حنان بكور، إن وضع حرية الصحافة في العالم العربي والمغرب على وجه الخصوص يشهد تراجعًا خطيرًا، مستشهدة بتقرير صدر مؤخرًا عن "International IDEA" يؤكد أن حرية الصحافة وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ نصف قرن.
وأضافت أن هذا التراجع لا يقتصر على المنطقة العربية فقط، بل هو اتجاه عالمي، لكنه أكثر حدّة في منطقتنا بسبب ارتباطه المباشر بتراجع الديمقراطية، وأن النموذج الاقتصادي المعتمد في المؤسسات الإعلامية العربية، سواء الورقية أو الإلكترونية، أثبت فشله، موضحة أن العديد من المواقع الصحفية الإلكترونية لم تستطع الصمود لأكثر من عامين أو ثلاثة بسبب استمرار إدارتها بعقلية الصحافة الورقية دون تطوير حقيقي يواكب التحولات التكنولوجية.
ولفتت إلى أن الدعم الذي قدمته بعض الحكومات للمؤسسات الصحفية منذ جائحة كورونا، عبر دفع أجور الصحفيين، ساهم في إبقاء أبوابها مفتوحة، لكنه لم يحل جذور الأزمة.
وأشارت بكور أن الانتقال إلى الصحافة الرقمية بات ضرورة لا خيارًا، لكنه يواجه تحديات كبيرة، أبرزها التدخلات الحكومية المتزايدة في الفضاء الرقمي، إلى جانب ضعف قدرة المؤسسات على تطوير نماذج عمل تواكب متطلبات الإعلام الجديد.
وحظرت من خطورة التضليل الإعلامي، معتبرة أنه واقع لا يمكن إنكاره، لكن في الوقت نفسه أصبح يُستخدم كذريعة من قبل بعض الحكومات لمزيد من التضييق على الحريات الإعلامية، تحت شعار "محاربة الأخبار الزائفة.
وبين ممثل المعهد الهولندي للديمقراطية متعدد الأحزاب في الاردن بشار الخطيب أن هناك حاجة إلى التمييز بين حرية التعبير وحرية الإعلام وأنها مرتبطة بالشعوب والأفراد بينما تواجه المؤسسات الإعلامية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني عوائق أكبر تتمثل في الرقابة الذاتية والتشريعات المقيدة، مضيفا أن هذه التحديات تعكس التراجع العام في الديمقراطية مشيرًا إلى أن المؤسسات الدولية غالبا ما تعترف فقط بمصادر إعلامية رسمية عند توثيق الجرائم كما في الحالة الفلسطينية، متجاهلة العمل الميداني للصحفيين الشباب والبث المباشر.
وأوضح الخطيب أن التكنولوجيا الرقمية ليست شرًا مطلقًا بل تحمل في طياتها فرصًا وتحدياتٍ إذ أتاحت منصاتٍ للتعبير لم تكن متاحة سابقا، لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام جرائم إلكترونية وموجات تضليل، داعيا الإعلاميين إلى امتلاك "فلتر مهني" يميز بين "الغث والسمين" بدل الاكتفاء بتحميل الأنظمة مسؤولية الفوضى الرقمية، مؤكدا أن المشرعين في المنطقة العربية غالبا ما يخلطون بين التنظيم والتقييد مستغلين هذه الثغرة لتبرير مزيد من التضييق، مشددا على أن حرية التعبير يجب أن تبقى خطًا أحمر، حتى لو شملت خطابا كراهية ما دام لا يحرض على العنف المباشر، معتبرا أن بقاء الخطاب الكاره ظاهرا أفضل من دفعه إلى الخفاء لأنه يتيح مواجهته ومعالجته.
وتوقف الخطيب عند تجربة الأردن ودول عربية أخرى مع قوانين الجرائم الإلكترونية واصفًا إياها بأنها تحتاج إلى مراجعة عميقة، في ظل توسع الممارسات التي تقيد حرية التعبير تحت ذريعة محاربة خطاب الكراهية أو الأخبار المضللة مشيرا إلى أن تراجع الديمقراطية في المنطقة يتأثر أيضًا بعوامل سياسية كبرى، أبرزها استمرار الاحتلال الإسرائيلي الذي لطالما استُخدم ذريعة لتأجيل الإصلاحات السياسية وإضعاف الحياة الحزبية.
ومن جهته، قال رئيس مؤسسة نخيل عراقي الثقافية مجاهد أبو الهيل إن التحدي الأخطر الذي يواجه الإعلام العربي اليوم يتمثل في ما وصفه بـ"الديكتاتورية التكنولوجية"، موضحًا أن الأنظمة والشركات الكبرى باتت تتحكم بحرية التعبير بضغطة زر، سواء من خلال إغلاق مواقع أو حجب منصات التواصل الاجتماعي، وأن المؤسسات الرسمية العربية قصرت في بناء شراكات استراتيجية مع شركات التكنولوجيا الكبرى، رغم محاولات استمرت أربعة أعوام لوضع مسودة اتفاق مشترك، لكن دون أي تقدم يُذكر، مضيفا أن الأردن لعب دورا بارزا في هذه الجهود عبر خارطة الطريق التي قدّمها الوزير فيصل الشبول، "إلا أن الشركات لم تُعر العرب أي اهتمام ولم ننجح حتى الآن في توحيد موقف رسمي عربي بهذا الملف".
وأكد أن التكنولوجيا استدرجت الجميع إلى ساحتها مواطنين وصحفيين وحكومات لكنها في الوقت نفسه اصبحت أداة ابتزاز وتهديد لـ مستقبل المهنة، مضيفا أنه "لو لم يكن هناك مثل شعبي يقول (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، لكانت الأنظمة قطعت أرزاق كثير من الصحفيين عبر السيطرة الرقمية، لافتا الى أن القضية الفلسطينية دخلت مؤخرا في دائرة الاستهداف التكنولوجي وأن المحتوى المرتبط بـ غزة أو فلسطين يقيد أو يُعاقب ناشروه بشكل منهجي معتبرا ذلك "أبرز صور الديكتاتورية الرقمية التي تُمارس بحق قضايا عادلة".
وأشار الى أن مواجهة هذه التحديات تتطلب اتفاقا عربيا رسميا موحدا مع شركات التكنولوجيا العالمية، يضمن الاعتراف بـ قضايا المنطقة وخصوصياتها ويحمي الإعلاميين من الخوارزميات الجائرة التي تتحكم بالخطاب الرقمي.
ومن جانبه، رأى الصحفي وكاتب مصري خالد منصور أن أزمة الإعلام العربي لا تكمن فقط في القيود السياسية وإنما أيضا في هشاشة النظام الاقتصادي الذي تعمل ضمنه المؤسسات الصحفية، معتبرا أن التغيرات التكنولوجية المتسارعة عمقت من هذه الهشاشة بدل أن تعالجها، موضحا أن الصحافة المستقلة تعاني من ضغوط متزامنة من ثلاث قوى رئيسية وهي الحكومات التي تفرض قيودا وتشريعات مقيدة، السوق الذي يزداد صعوبة مع تراجع قدرة المؤسسات على الاستدامة والربحية، بالإضافة الى التكنولوجيا التي باتت تهدد بقاء الإعلام عبر سيطرة الخوارزميات، مضيفا "صرنا نقترب من مرحلة الـ(Zero Click) حيث لا يزور القراء المواقع الصحفية، بل يكتفون بما توفره المنصات ومحركات البحث ما تسبب بانخفاض عائدات الإعلانات بنسبة وصلت إلى 40% لدى بعض الناشرين".
وبين أن هشاشة منظومة الإعلام لا تتحملها المؤسسات فقط وإنما الأنظمة أيضا مسؤولة عنها عبر غياب تشريعات تضمن حقوق الصحفيين وانتشار أنماط توظيف هشة لا توفر ضمانا صحيا أو اجتماعيا، موضحًا أن هذا الوضع جعل الصحفي "قلمًا مستأجرا" يمكن الاستغناء عنه في أي لحظة
وفيما يتعلق بـ الوجه المزدوج للتكنولوجيا، أكد أنه في الوقت الذي خلقت فيه أدوات جديدة للنشر والانتشار، أسهمت أيضا في تعزيز التضليل الإعلامي عبر "الجيوش الإلكترونية" المدعومة أحيانا من شركات التكنولوجيا نفسها، التي تبني نموذجها الربحي على التفاعل مع الأخبار المثيرة ولو كانت مضللة.
وأشار الى أن خطاب الكراهية تحول إلى ذريعة بيد الأنظمة، قائلا "القوانين التي تُرفع في العالم العربي لمكافحة خطاب الكراهية، تُستخدم في الغالب لـ تقييد حرية التعبير لا لحمايتها"، مؤكدا أن الحل يكمن في رفع كفاءة المهنة والتمسك بالمعايير المهنية بدل الانجرار وراء السوق أو الخضوع لرقابة الحكومات.
واختتمت اليوم الاحد في العاصمة عمّان أعمال ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال في دورته الثالثة الذي استمر على مدار يومين تحت شعار الإعلام من الحرية والحماية إلى التمكين والتغيير. ويشارك فيه أكثر من 750 إعلاميًا وإعلامية وناشطًا وصانع محتوى وخبيرًا، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات دولية من مختلف أنحاء العالم.