رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

الأردن سيشارك بقمة شرم الشيخ كشريك وليس كوسيط

الأردن سيشارك بقمة شرم الشيخ كشريك وليس كوسيط
جوهرة العرب 


أولًا : قمة شرم الشيخ غداً على مفترق النار والسياسة والدبلوماسية.

حينما أعلنت الرئاسة المصرية عن قمة دولية في شرم الشيخ برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبمشاركة أكثر من عشرين زعيمًا من الشرق والغرب ومنها الأردن الذي يعتبر نفسه شريكاً لا وسيطاً، فهذا يعني أن القضية الفلسطينية لم تعد شأنًا عربياً أو إقليميًا فحسب، بل تحوّلت إلى إختبار للنظام الدولي برمّته، وهذا ما كان ينادي به جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه في حراكه السياسي والدبلوماسي منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023 أمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية أن القضية الفلسطينية أصبحت شأناً دولياً وعلى المجتمع أن يعمل بالتكافل والتضامن لحلها، فالقمة الدولية بشرم الشيخ ليست مجرد إحتفال لتوقيع إتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، بل هي في جوهرها تدشين لمرحلة جديدة من إدارة الصراع لا حله، لمرحلة جديدة في وقف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والأستقرار في المنطقة.
فما سيجري في قمة شرم الشيخ ليس لوقف إطلاق النار ونهاية الحرب في غزة، بل بداية إعادة ترتيب المنطقة على ضوء نتائجها.

ثانيًا : بين الزعماء السيسي وترامب وأوردغان توافق الضرورة لا التحالف.
تأتي القمة الدولية في ظل تحوّل مصري متوازن بين الحفاظ على دور الوسيط العربي والإقليمي الحصري في الملف الفلسطيني، وبين السعي لتثبيت شرعية مصر كـ"الضامن الموثوق" في المعادلة الأمنية والسياسية لقطاع غزة.
أما الرئيس ترامب فيرى في القمة فرصة لفرض نموذج أمريكي للحل يقوم على وقف النار مقابل إعادة إعمار مشروطة، أي سلام إقتصادي بلا أفق سياسي، وهو النهج ذاته الذي فشل في التسعينيات لكنه اليوم يُعاد تلميعه بأدوات جديدة.
القمة الدولية بهذا الشكل تُظهِر توافقًا تكتيكيًا بين القاهرة وواشنطن وأسطنبول :
مصر تريد الإستقرار على حدودها وضبط معبر رفح.
والولايات المتحدة الأميركية تسعى لتسويق نجاح دبلوماسي يعيدها إلى واجهة المنطقة بعد فشلها في ردع التمدد الإيراني أو ضبط إسرائيل.
وتركيا لتضمن الأمن والأستقرار في الدولة المجاورة لها سوريا.

ثالثًا : دلالات التوقيت والمكان.
لم يكن إختيار شرم الشيخ مصادفة، فالمدينة ألتى أحتضنت قمم الحرب والسلام منذ عام 1996، تُعيد اليوم تقديم نفسها كـ"عاصمة التسويات المؤقتة".
التوقيت بالغ الحساسية :
حرب غزة دخلت مرحلة الإنهاك المتبادل، والضغوط والعزلة الدولية على إسرائيل بلغت ذروتها، فيما تتزايد التحذيرات من إنهيار إنساني شامل.
ومن هنا جاء التحرك المصري ـ الأمريكي التركي المشترك كـ"مخرج من المأزق"، لكن أيضًا كفرصة لإعادة ترتيب المشهد الفلسطيني بما يخدم توازنات جديدة على حساب القضية الفلسطينية ذاتها.
رابعًا : من يوقّع بأسم فلسطين ...؟.
كمحامي دولي ومتابع ومراقب، فالسؤال الجوهري في قمة شرم الشيخ غداً : من سيمثّل الفلسطينيين على طاولة التوقيع ...؟.
فبينما تمسّكت القاهرة والدوحة بأن " لا حلّ بدون حماس "، تصرّ بعض القوى على إشراك السلطة الوطنية الفلسطينية لضمان الغطاء السياسي والقانوني للأتفاق.

السيناريوهات المتوقعة على توقيع الوثيقة التاريخية لوقف إطلاق النار في غزة :
1. توقيع فني من ممثلي حركة حماس عبر وسطاء مصريين أو قطريين أو أتراك دون حضور رسمي مباشر.
2. مشاركة رمزية من السلطة الوطنية الفلسطينية – ربما بتوقيع وزير أو مسؤول من منظمة التحرير الفلسطينية لإضفاء الشرعية.
3. تأجيل الحسم الفلسطيني الداخلي لحين تشكيل حكومة تكنوقراط أو " إدارة إنتقالية لغزة " بإشراف مصري أممي.
في كل الأحوال : فإن جوهر القمة الدولية بشرم الشيخ سيكرّس أزدواجية التمثيل الفلسطيني ما لم يُبادر الفلسطينيون أنفسهم إلى توحيد موقفهم قبل أن يُفرض عليهم شكل جديد من الوصاية.

خامسًا : بين المساعدات الإنسانية والوصاية الدولية.
القمة الدولية في شرم الشيخ غداً ستفرز – وفق المعلومات المتداولة والتقارير الإخبارية – حزمة قرارات تنفيذية تشمل :
فتح المعابر تحت رقابة دولية – مصرية مشتركة.
بدء برنامج عاجل لإعادة الإعمار بإشراف البنك الدولي والأمم المتحدة.
إنشاء آلية مراقبة دولية لضمان تنفيذ وقف النار، لكن خلف هذه البنود يتخفى مشروع إعادة هيكلة الإدارة في غزة، حيث يجري التداول حول إدخال " بعثة مراقبة مدنية دولية " أو " قوة عسكرية مختلطة " كقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تتولى مهام الأمن والإشراف المالي، في خطوة قد تمهّد لمرحلة إنتقالية تُبعد كلًّا من حركة حماس والسلطة الفلسطينية عن القرار الفعلي.

سادسًا : ما الذي ينتظر غزة ...؟.
بالمنظور الإنساني، يُتوقع أن تبدأ المساعدات بالتدفق فور توقيع الإتفاق، وأن تُفتح المعابر بشكل أوسع، وأن تُفرج إسرائيل عن مجموعة من الأسرى في إطار صفقة تبادل جزئية.
لكن الملف الأخطر هو من سيحكم غزة بعد وقف الحرب ...؟.
فإن أُبعدت حركة حماس من الإدارة الميدانية دون بديل فلسطيني شرعي، ستتحول غزة إلى منطقة وصاية دولية مُعلّقة تُدار بقرارات المانحين، وتفقد بذلك جوهرها السياسي كمركز للمقاومة.
أما إذا تمكن الفلسطينيون من ترتيب البيت الداخلي وتوحيد مؤسساتهم على قاعدة الشراكة، فقد تتحول القمة الدولية بشرم الشيخ إلى مدخل لإحياء المسار الوطني على أساس إعادة بناء منظمة التحرير والمصالحة الداخلية.

سابعًا : تداعيات القمة الدولية على الإقليم.
1. مصر ستعزّز دورها العربي والإقليمي كقائد للمسار التفاوضي ومركز الثقل العربي.
2. إسرائيل ستحاول إستثمار الإتفاق لإعادة تأهيل صورتها أمام المجتمع الدولي، مع الإستمرار في فرض وقائع ميدانية في الضفة الغربية.
3. الولايات المتحدة الأمريكية ستقدّم القمة كـ"نصر دبلوماسي" لها، لكنها ستواجه لاحقًا إختبار التنفيذ على الأرض.
4. إيران وتركيا ستراقبان المشهد كمستثنَيتين من ترتيبات " اليوم التالي "، وقد تعيدان توجيه أدواتهما الميدانية للضغط عبر الساحة اللبنانية أو السورية.
5. السلطة الوطنية الفلسطينية أمام لحظة تاريخية : إما أن تكون طرفًا فاعلًا في تحديد شكل غزة الجديدة، أو تُقصى تدريجيًا عن ملفات الحل النهائي.
ثامنًا : بين وقف الحرب وتجميد القضية.
التحليل الأعمق يشير إلى أن القمة الدولية بشرم الشيخ قد توقف الحرب فعلاً لكنها لا تنهيها سياسيًا.
فوقف النار إذا لم يُقترن بجدول زمني لإنهاء الإحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية حسب القرارات الدولية، سيتحول إلى هدنة طويلة الأمد تُعيد إنتاج " الاستقرار الزائف " الذي يخدم إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ، بينما يجمّد القضية الفلسطينية في دائرة الإعمار والمساعدات الإنسانية.
إن أخطر ما يمكن أن ينتج عن القمة الدولية بشرم الشيخ هو تحويل الحق الوطني الفلسطيني إلى مشروع إنساني، تُدار أولوياته في غرف التمويل لا في ساحات النضال.

تاسعًا : الخلاصة والتوصيات
على القيادة الفلسطينية أن توحّد موقفها قبل توقيع أي إتفاق حتى لا يُفرض تمثيلٌ ناقص في قمة دولية بحجم شرم الشيخ.
على العرب أن يدركوا أن الإعمار بلا سيادة هو تثبيت للواقع لا تغييره.
وكذلك على المجتمع الدولي أن يتعامل مع غزة كأرض محتلة حسب الرأي الأستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية والمرسل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بناءاً على طلبها، لا كمنطقة منكوبة، لأن جوهر القضية هو الإحتلال لا الإغاثة.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات