رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

كأس العرب: التشجيع والانتماء من منظور نفسي كتبت د. إيمان الشطرات

كأس العرب: التشجيع والانتماء من منظور نفسي كتبت د. إيمان الشطرات
جوهرة العرب 

 الدكتورةإيمان الشطرات اخصائية نفسية علم النفس والتوجيه الأسري 

مع انطلاق كأس العرب، يعيش الملايين حول العالم لحظات من الحماس، التوتر، والفرحة. كل مشجع يشعر وكأن المنتخب الذي يشجعه يمثل جزءًا من ذاته، وكأن الفوز أو الخسارة حدث شخصي يمسه مباشرة. لكن ما الذي يجعلنا نرتبط بهذه المشاعر بشكل كبير؟ ولماذا يصبح تشجيع المنتخب تجربة عاطفية بهذه القوة؟

من منظور علم النفس، الانفعال الرياضي مرتبط بشكل أساسي بمفهوم الهوية والانتماء الاجتماعي. الإنسان لا يستطيع العيش دون جماعة ينتمي إليها و
هنا يشعر الفرد أنه جزء من قوة أكبر منه، وهذا الإحساس بحد ذاته يرفع الشعور بالكفاءة والاعتزاز ويعزز احترام الذات.

ما يحدث داخل أدمغتنا في مثل هذه اللحظات ليس بسيطًا، بل هو تفاعل هرموني معقد؛ إذ يفرز الدماغ الدوبامين الذي يعزز الشعور بالمتعة، والأوكسيتوسين الذي يحفز الترابط الاجتماعي، ما يجعل التجربة الرياضية مصدرًا طبيعيًا للسعادة الجماعية. ولهذا نجد أن لحظة تسجيل هدف واحد قد تخلق موجة عاطفية مشتركة بين غرباء لا يعرفون بعضهم، لكنها توحّدهم في لحظة فرح استثنائية.

حتى عند الخسارة، فإن التجربة لا تفقد قيمتها النفسية. بل على العكس، قد تتعمق الروابط الاجتماعية بين المشجعين أكثر، من خلال مشاركة الحزن والإحباط. هذا ما يسميه الأخصائيون النفسيون بـ”التنفيس العاطفي الجماعي”، حيث يسمح الإنسان لنفسه بأن يفرغ مشاعره بشكل آمن، ضمن مجتمع يتفهم هذه الانفعالات، مما يحميه من تراكم التوتر النفسي.

من جهة أخرى، يبرز هنا دور الأخصائي النفسي في توعية الأفراد حول التعلق المفرط بالنتائج الرياضية. فالحماس جميل، لكن تحويل الرياضة إلى ضغط أو مصدر للغضب أو التوتر النفسي قد يؤثر سلبًا على الصحة النفسية. بعض الأشخاص، خاصة الذين يعانون من القلق أو الحساسية الانفعالية، قد يعيشون حالة من التوتر الشديد قبل أو أثناء المباريات. هنا يستطيع الأخصائي النفسي تقديم استراتيجيات للتهدئة، وإعادة تفسير الحدث الرياضي كمتعة وتجربة اجتماعية لا كمواجهة مصيرية.

كما أن الأحداث الرياضية الضخمة، مثل كأس العرب، تمثل فرصة رائعة لتعليم الأطفال والشباب مهارات تنظيم الانفعال، قيمة العمل الجماعي، والقدرة على تقبّل الهزيمة بروح رياضية. مثل هذه التجارب تعزز نضجهم العاطفي وتقوي المرونة النفسية لديهم، وهي مهارات يحتاجونها في جوانب الحياة الأخرى.

ولا يمكن تجاهل أن هذه البطولات تخلق مساحة آمنة للأسر والأصدقاء والمجتمعات للتقارب من جديد. فهي ليست مجرد مباراة؛ إنها فرصة للمّ الشمل، تبادل المشاعر، وإحياء روح الفرح الجماعي التي نفتقدها في زحمة الحياة.

في النهاية، كأس العرب ليست حدثًا رياضيًا فقط، بل ظاهرة نفسية واجتماعية عميقة. إنها منصة يشعر فيها كل فرد بأن له مكانًا، صوتًا، وهوية مشتركة. وعندما نكون واعين للحدود النفسية، ومقدرين لدور الانتماء الجماعي، تتحول هذه اللحظات الرياضية إلى تجربة ممتعة وصحية، تبني روابط اجتماعية أقوى، وتضيف لمسة جميلة إلى حياتنا اليومية—بعيدًا عن ضغط النتيجة، وقريبًا من متعة الانتماء