هل الذكاء الاصطناعي مجرّد فقاعة أم محرّك التحول القادم في قطاعات الأعمال؟ بقلم فراس سليم، الرئيس التنفيذي لشركة "فرتشو" للعلاقات العامة والتسويق دبي، الإمارات العربية المتحدة، 22 ديسمبر 2025: هل يُـعّد الذكاء الاصطناعي مجرّد فقاعة، أم أنه يُعيد تعريف طرائق ومناهج عمل الشركات على نحو جوهري؟ هذا السؤال أصبح محور النقاش على طاولات مجالس الإدارة وضمن جلسات وورش الرؤساء التنفيذيين حول العالم. لقد انتقل الذكاء الاصطناعي من مرحلة التجريب إلى صدارة الاهتمام العالمي في وقت قياسي، مستقطباً استثمارات كبيرة، وتركيزاً إعلامياً واسعاً، وتوقعات مرتفعة. وكما هو الحال في كل دورة ابتكار كبرى، يتلو الحماس التساؤلات والتحفظات. البعض يراه أكبر قفزة إنتاجية منذ ظهور الإنترنت، بينما يحذر آخرون من أنه فقاعة مبالغ فيها. الواقع غالباً ما يقع بين هذين الطرحين. الذكاء الاصطناعي ليس فقاعة، لكن بعض قطاعات اقتصاد الذكاء الاصطناعي تشهد بالفعل تضخماً مفرطاً. الذكاء الاصطناعي: فقاعة أم تحول هيكلي؟ للتمييز بين الفقاعة والتحول الهيكلي، لا بد من التفريق بين التقنية المستكشفة وسلوك السوق تجاهها. التاريخ يقدم مثالاً واضحاً. فقاعة الإنترنت في آوائل الألفية الثانية انهارت، لكن الإنترنت لم يختفِ. ما انهار هو التقييم المبالغ فيه، ونماذج الأعمال غير المستدامة، والشركات القائمة على المضاربة بدلاً من خلق القيمة. ما نجح أصبح البنية التحتية للاقتصاد الحديث. الذكاء الاصطناعي يسير على مسار مشابه، ولكن بوتيرة أسرع بكثير. التقنية نفسها حقيقية، قوية، ومستخدمة بالفعل في صناعات حيوية. الفائض يكمن في سرعة تجاوز التوقعات للقدرة على التنفيذ. إن التقديرات الحديثة تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يضيف ما بين 13 و15 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2030، مدفوعاً بزيادة الإنتاجية، والأتمتة، وتحسين اتخاذ القرار. هذا الحجم من التأثير لا يتوافق مع فقاعة مؤقتة، بل يشير إلى تحول هيكلي مستدام. أسباب سردية فقاعة الذكاء الاصطناعي تنشأ مخاوف الفقاعة من عدة اتجاهات متقاربة. أولاً، ارتفعت تقييمات بعض الشركات المرتكزة على الذكاء الاصطناعي أسرع من إيراداتها، ما أدى إلى مقارنات مع دورات مضاربة سابقة. ثانياً، تعلن العديد من المؤسسات عن "استراتيجيات ذكاء اصطناعي" دون حالات استخدام واضحة، أو أطر حوكمة، أو مؤشرات نجاح محددة. ثالثاً، غالباً ما تبالغ المواد الإعلامية في قدرات الذكاء الاصطناعي الحالية، ما يؤدي إلى توقعات غير واقعية. عندما تتجاوز التوقعات النضج التشغيلي، يظهر الإحباط، وغالباً ما يُساء تفسيره على أنه فشل التقنية، بينما هو فشل الاستراتيجية. الذكاء الاصطناعي أداة قوية تتطلب الانضباط، وجاهزية البيانات، وقيادة واضحة لتحقيق قيمة فعلية. التحول التنظيمي قبل التكنولوجي القيمة الحقيقية للذكاء الاصطناعي لا تكمن في التطبيقات الرائجة أو الأدوات المثيرة للعناوين، بل في قدرته على تقليص الوقت، وتبسيط العمليات، وتوسيع نطاق الذكاء عبر أنظمة معقدة. في الواقع العملي، أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة طبقة تشغيلية متكاملة داخل الشركات، وليس مجرد منتج. وفي قطاع الاتصالات، يمكنه تحليل المشاعر، وكشف الأنماط السوقية، وتحسين توزيع المحتوى في الوقت الفعلي. وفي القطاع المالي، يعزز التنبؤ ونمذجة المخاطر، بينما يحسّن في سلاسل الإمداد تخطيط الطلب والمرونة. هذه تطبيقات عملية ملموسة وليست تجريبية. ومع ذلك، لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الحكم أو الثقة أو المساءلة، بل يكملها. الشركات التي تتعامل معه كبديل عن الاستراتيجية ستواجه بلا شك ضعف الأداء. الوظائف ومستقبل أنماط العمل أحد أكثر الأسئلة تداولاً هو ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحل محل الوظائف. الأهم هو كيف سيغير طبيعة العمل والمهام. وبينما ستتم أتمتة بعض المهام، فإن الذكاء الاصطناعي سيخلق أدواراً جديدة ويحول طبيعة الأدوار الحالية. تشير التقديرات إلى أن نحو 40 بالمئة من القوى العاملة العالمية ستحتاج إلى إعادة تأهيل لمواكبة هذا التحول. فالمؤسسات التي تركز على التكنولوجيا دون تطوير القدرات البشرية ستواجه مقاومة، وتآكلاً ثقافياً، وانخفاضاً في الثقة، بينما تلك التي توازن بين تبني الذكاء الاصطناعي وتطوير القوى العاملة ستضمن ميزة استراتيجية مستدامة. نجاح الذكاء الاصطناعي ليس قراراً برمجياً، بل قراراً قيادياً. أرقام واستثمارات ومن المتوقع أن تتجاوز الاستثمارات العالمية في أنظمة الذكاء الاصطناعي 300 مليار دولار سنوياً خلال السنوات المقبلة، مع تسارع اعتماد الشركات في قطاعات الرعاية الصحية، والتصنيع، والتجزئة، والخدمات المالية، والتسويق. هذه الأرقام تعكس تكامل العمليات الفعلي وليس التجريب المضاربي. كما تتطور الأطر التنظيمية بسرعة، خصوصاً فيما يتعلق بحوكمة البيانات، والأخلاقيات، والمساءلة، وهو مؤشر على النضج واستقرار السوق وليس على الانهيار. وينبغي على المؤسسات التركيز على اعتماد الذكاء الاصطناعي بوعي ودقة. الاعتماد السريع دون ضمان جودة البيانات، أو أطر الحوكمة، أو المبادئ الأخلاقية، قد يؤدي إلى هدر الاستثمارات. ومن ينتظر الوضوح الكامل قد يتخلف عن المنافسة. الميزة ستكون للمؤسسات التي تعتبر الذكاء الاصطناعي قدرة مستمرة ومتكاملة ضمن استراتيجيتها، وليس مجرد خبر عابر. خلاصة الذكاء الاصطناعي ليس فقاعة، بل يمثل تحولاً دائماً يمر بفترات تصحيح مؤقتة. بعض الشركات ستفشل، وبعض التقييمات ستعاد، وبعض الأدوات ستختفي، لكن هذا لا يدل على الانهيار، بل على نضج السوق. الخطر الحقيقي يكمن في خلط التجريب بالاستراتيجية، والتبني بالأثر الفعلي. الذكاء الاصطناعي لن يحل محل القيادة، ولكن من يتجاهله سيخسر موقعه في المنافسة. في كل تحول تكنولوجي كبير، الفائزون ليسوا من يتحرك أولاً، بل من يتحرك بحكمة ومسؤولية ووفق رؤية واضحة. الذكاء الاصطناعي سيشكل عصر الأعمال القادم، والسؤال ليس ما إذا كان سيستمر، بل من سيكون مستعداً لقيادة هذه الحقبة الجديدة بنجاح. - انتهى