رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

عامٌ مضى… وعامٌ قادم بقلم: نادية إبراهيم نوري

عامٌ مضى… وعامٌ قادم بقلم: نادية إبراهيم نوري
جوهرة العرب 

نادية إبراهيم نوري

نودّع عامًا مضى بما حمله من صعوبات وأحداث، ونستقبل عامًا جديدًا وكلّنا أمل أن يحمل لنا الله فيه أيامًا أجمل، وأحداث أرحم، وخيراتٍ أوسع، فالأمل بالله لا ينقطع، والرجاء بكرمه لا يخيب.

يستقبل الناس العام الجديد كلٌّ بطريقته؛ فهناك من يقف مع نفسه وقفة محاسبة، يراجع تعثراته وأخطائه في العام المنصرم، ساعيًا إلى تصويبها. وآخرون يحلمون بتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه، أو يتمنّون الزواج، أو السفر، أو التوفيق في عمل طالما حلموا به، أو رزقًا بمولود يقرّ أعينهم.

تتعدّد أحلامنا وأمنياتنا، وكثيرون يلجأون إلى الدعاء، ورفع الأكفّ إلى الله، مالك الملك الذي لا تنفد خزائنه، بينما يتجه البعض الآخر إلى العرّافين والمنجّمين، أو إلى قراءة الأبراج والكواكب، أو حتى إلى طرق حديثة يدّعون من خلالها معرفة المستقبل، وكلٌّ مقتنع بطريقته في التفكير.

أكثر ما يثير دهشتي هو ادّعاء البعض معرفة المستقبل من خلال الأبراج السماوية. نعم، علم الفلك من أقدم العلوم، لكن من غير المعقول أن يجعل الله ملايين البشر محصورين في اثني عشر برجًا فقط، تُحدّد مصائرهم ومستقبلهم، على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم وتعليمهم، وفي قارات وبلدان ومدن شتّى. كيف يمكن لبرجٍ واحد أن يحمل الطالع ذاته لملايين البشر؟

يقول البعض إنهم يتابعون الأبراج من باب التسلية، وآخرون من باب التفاؤل، لكننا جميعًا نوقن أن علم الغيب بيد الله وحده، وأن الدعاء قد يغيّر الأقدار بإذنه سبحانه وتعالى.

وأنا أتابع هذا الانشغال بمعرفة الطالع وما يخبئه العام القادم، تذكّرت قصة جميلة سمعتها في طفولتي، وأحببت أن أشارككم إياها.

يُحكى أن تاجرًا ناجحًا خرج في رحلة تجارة مع مجموعة من أصدقائه، وأثناء استراحتهم في أحد الخانات، اقترحوا إحضار منجّم ليقرأ لهم طالعهم تفاؤلًا بإكمال الرحلة. وعندما جاء دور التاجر، تغيّر وجه المنجّم وقال له: أنت متزوج، وزوجتك حامل. تعجّب التاجر وأجاب بالإيجاب. قال المنجّم: ولديك ولد؟ فأجابه نعم. ثم قال المنجّم: ستلد زوجتك أنثى، وهذه الفتاة ستكون شؤمًا عليك وعلى أسرتك؛ فعندما تبلغ الخامسة من عمرها، ستكون سببًا في وفاة ابنك، وجنون زوجتك، وخسارة تجارتك.

ارتعد التاجر، وترك المكان مهمومًا. أكمل رحلته، لكن القلق لم يفارقه، حتى عاد إلى بيته ليجد زوجته تبشّره بولادة فتاة جميلة. كتم خوفه في قلبه، وازداد تعلّقًا بابنه ونفورًا من ابنته، بينما تعلّقت بها الأم والأخ لجمالها وذكائها.

مرّت السنوات ثقيلة على قلب الأب، حتى أخبر زوجته وابنه بنبوءة المنجّم، وأمر ابنه أن يأخذ أخته ويتخلّص منها. لكن ضمير الشاب منعه من قتلها، فهرب بها إلى الغابة، وبنى كوخًا صغيرًا، وقال: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

عاش الأخوان في الغابة، يكبران معًا، حتى أصبحت الفتاة شابة جميلة. وفي أحد الأيام، شاهدها أمير المملكة قرب النهر، فتعجّب من جمالها وقصتها، وأخذها مع أخيها إلى القصر، وبعد أن علم بما حدث، أرسل في طلب والدهما.

عاد الأب ليجد أبناءه سالمين، فندم على تصديقه للمنجّم، وأدرك أن ما أصابه من خسارة وحزن كان بسبب خوفه لا بسبب ابنته. ضحك الأمير قائلًا: كذب المنجّمون ولو صدقوا، وأعاد للتاجر ثقته بنفسه، فعادت حياته إلى الاستقرار، واجتمعت الأسرة من جديد.

وهكذا تعلّمنا أن النجوم لم تُخلق لتخبرنا بمستقبلنا، وأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وأن التوكّل عليه والدعاء له هما طريق الطمأنينة الحقيقية