عقدت ندوة الثقافة والعلوم في دبي محاضر بعنوان "ثقافة تويتر بين حرية التعبير ومسؤوليته" للدكتور عبدالله الغذامي أستاذ النقد والنظرية في كلية الآداب – جامعة الملك سعود بالرياض، وبحضور معالي محمد المر رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، ورئيس مجلس أمناء جائزة محمد بن راشد للغة العربية، وعبدالغفار حسين وبلال البدور رئيس مجلس الإدارة، وعلي عبيد الهاملي ود. صلاح القاسم ودمال الخياط ومريم ثاني أعضاء مجلس الإدارة وجمع من الأكاديميين والمهتمين.
أدار الحوار عائشة سلطان عضو مجلس إدارة الندوة مشيرة إلى أن د. الغذامي صوت خليجي عربي مفكر حر في زمن قلما توجد أصوات بهذا القدر الكبير من التعويل على حرية التعبير والنقد، ذاكرة أن د. الغذامي اختار أن يعرف نفسه على تويتر بـ "سموا أنفسكم مستقلين، كونوا دعاة سلام ومحبة، قولوا بحرية التفكير والتعبير لمخالفيكم قبل أنفسكم، قل رأيك ( ولا تبالي) شرط أن تقول هو رأيي أعرضه ولا أفرضه
وذكرت عائشة أن د. الغذامي اختارته العديد من المؤسسات الثقافية والفكرية والأدبية لعضويتها، ومستشاراً لها منها جائزة الشيخ زايد للكتاب منذ تأسيسها عام 2006 حتى 2010، وحاصل على جائرة العويس الثقافية. وله عديد من المؤلفات منها: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية، تشريح النص، تشريخ النص، الموقف من الحداثة، دار البلاد، ثقافة الأسئلة، الكتابة ضد الكتابة، النقد الثقافي، مقدمة نظرية وقراءة في الأنساق الثقافية العربية، ثقافة تويتر: حرية التعبير أو مسؤولية التعبير، وغيرها من المؤلفات.
وأكد د. الغذامي صعوبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وخاصة تويتر لأشخاص تعدوا مرحلة الشباب، أشخاص كان يصعب عليهم التعامل مع الهاتف النقال (الموبايل)، فقد فرض عليه من قبل من حوله استخدام الهاتف النقال وكانت أصعب تجاربه معه دخول المواقع الإلكترونية المختلفة.
ويذكر الغذامي أنه في بداية تعامله مع تويتر شعر أنه أما لغز ثقافي مضاد للثقافة والوقار الثقافي كذلك الخطاب الاصطلاحي والمعنى العلمي والبحثي للثقافة، وخاصة أن الغذامي كان ضمن الطبقة الثقافية التي لا تتعامل مع تويتر فيما قبل.
وأشار د. الغذامي أنه قرر الدخول إلى عالم تويتر باحثاً ليس مشاركاً ليتتبع خطاب تويتر، رغبة في إيجاد امتداد لكتابه حول الثقافة التلفزيونية في هز معاني وألفاظ وثقافة النخبة، ولكنه وجد في تويتر معارك شديدة ومتلاحقة ومتسارعة وبتلقائية لا يتوقعها المغرد. وفي اليوم الثاني لدخوله هذا العالم وضع تغريدة بغرض المشاركة ولكن وجد أحد المتابعين يتهمه ويفند تغريدته على أنها كفر، ووضع كل الاحتمالات لتكفيره.
ويضيف الغذامي أنه كان حديث العهد بالتعامل مع ثقافة تويتر وكل ما كان يدور في ذهنه حينذاك أن العالم كله يشاهد ما يحدث واتهامه بالكفر فبدأ بمحاولة مناقشته والاستنجاد بالأصدقاء للمشاركة في هذه المناقشة، إلا أنه مع الوقت اكتشف بأن العالم لا يرى ما يحدث من نزاع على تويتر وأنها فئات محدودة هي من تتابع وتهتم، وان المتابعين ليسوا جميعهم هذا الرجل المتربص والذي يلقي الاتهامات جزافاً، والذي جرني لمنطقته عبر الردود.
وعلق الغذامي على هذا الأمر أنه بعد تجربته الأولى في الخلاف الفضائي على تويتر بدأ يكتشف اللعبة واستراتيجية الأخذ والرد باعتبار أن الصوت الذي أسمعه لا يمثل كل الأصوات الأخرى الموجودة في هذا الفضاء، وتذكرت دور المؤلفين الكبار في التاريخ مثال شكسبير والمتنبي وابن الرومي ونحن نستحضرهم الآن وهم لا يعرفون، أي أن هناك عالم كبير وأن نوعية الخطاب المرسل من قبلنا هو الأهم وأيضاً أنه ينبغي علينا متابعة الحسابات الأخرى وردود أصحابها، ووجدت أن الشخص الذي ينفعل في رده يضيع في المجموع ويخرج عن طوره، أي يخرج عن الصورة الذهنية المعروفة عن الشخص من وقار واحترام. وأن الصورة الذهنية عن الأشخاص تظل ثابتة حتى لو تغير الشخص، وهذا ما يحدث في الآراء الثقافية أو السياسية من تصنيفات مبنية على صور ذهنية ثابتة لدى الأشخاص.
وأضاف الغذامي أن نظام المتابعة في الفضاء الإلكتروني اخض يأخذ شكل المتابعة الحزبية والسياسية بين الأطراف كأنها تكتلات حزبية خاصة مع تعدد القضايا السياسية حتى أنه أصبح نادراً ما تجد شخص مستقل أو محايد يعبر عن رأيه بحرية بعيداً عن تأثير الآخر، وبدأت التكتلات خاصة العربية ظهر بشكل واضح.
هناك إيجابية في وسائل التواصل بأنها جعلت الناس يعبرون بوضوح عن أفكارهم، ولو تابعنا هذه الأفكار والكتابات بعيداً عن أسماء أصحابها سنكتشف تركيبة الوطن العربي، ومنها سنعيد اكتشاف منطقة الخليج على المستوى العربي حيث كانت الصورة الذهنية عن منطقة الخليج مرتبطة بالنفط والثراء ووداعة الحياة ولا توجد لديه مشكلات ولا تعنيه القضايا العربية الآخر، وأن مجلس التعاون هو انفصال عن جسد الوطن العربي.
وأكد أنه مع وجود وسائل التواصل تبين أن دور المغردون الخليجيين أكثر عروبة واهتماماً بدول أكثر من شعوب هذه الدول وخاصة مع مصر والجزائر وتونس والعراق ولبنان... هناك شعلة اهتمام أخلاقية وسياسية عربية لدى مغردي الخليج.
وهذا ما جعل الخليج يظهر أكثر أصالة ووطنية وتمسكاً بالعروبة، إلا أن الصدام في تويتر يقسمه إلى فئات وكل فئة تريدك في طرفها، وإما تصنف بأنك خارج السياق، وأكد على هذا ما ذكرته محطة (CNN) بتشبيه تويتر بالطائر الثري، ذلك لأن المحطة بقدرتها الهائلة اكتشفت أن تويتر هو الأسبق منها في تغطية وكشف الأحداث، ولا يستطيع مراسلي المحطة الوصول إلى الحدث إلا عبر تغريدة تويتر، فأصبح التويتر هو مركز الأخبار والأحداث الرئيسي لمختلف محطات التلفزيون، فأصبح التويتر معنوياً أغنى من كل المحطات بكل قدراتها.
وتماشياً من هذه المحطات مع تويتر وضعت أغلب المحطات شريط إخباري قصير وسريع أسفل برامجها، إلا أن هذا الشريط وقع في الأخطاء نفسها الخاصة بتويتر من حيث التسرع وعدم مصداقية الخبر والأخطاء اللغوية والنحوية.
وأضاف الغذامي أن تويتر كسر الحدود بدخول زعماء وقادة كبار في قضايا أوطان أخرى ليست أوطانهم، مثل تغريدة أوباما بطلب تصويت الإسكوتلنديين للبقاء مع بريطانيا، وكذلك ترامب عندما طلب من البريطانيين بالتصويت (لبركست) للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهكذا تدخلت الزعمات في مناطق ليست مناطقهم، والمشكلة أن الناخبين في الدول الأوروبية يصوتون تبعاً لانتماءاتهم الحزبية، ويبقى البعض منهم خارج التكتل الحزبي فيكون تأثير هؤلاء القادة والزعماء عليهم أكبر فيؤثرون على العملية الانتخابية ككل ومسار القرار السياسي في بلد آخر غير بلده.
وكذلك الاستعانة بنجوم السوشال ميديا للإدلاء بآرائهم للتأثير على الآخرين، ما يعني استغلال تويتر وفيس بوك وكسر الحدود أثر على الطبقات الأقل لتأثرهم بالآخر.
وأكد أن الأخطر في تويتر هو معركة اللغة، بوصفها حرب وأداة حرب، واستخدام اللغة في تويتر خطير جداً، فمثلاً تم اختراع الهاشتاج (الوسم) ليكون صوت المحرومين والمهمومين والمهمشين لخدمة قضيتهم، إلا أن تم استخدام الهاشتاج بطريقة مضادة بتحريف الهاشتاج عن مساره الخير النزيه، وانتشرت تحالفات داخل التويتر استغلت الهاشتاج والمجاميع لأغراضها.
كذلك انتشرت ثقافة الكراهية، وهذه الثقافة تاريخها قديم إلا أنه مع تعاقب الأزمان والتعليم والثقافة أصبحت الكراهية مبطنة ولا تعرب عن نفسها، وتستحي في العلن وتفتك بالداخل، ومع وجود وسائل التواصل شجعت الكراهية بعضها بعضاً ونبشت الكراهية النائمة، وأصبح هناك خطاب معلن عن ثقافة الكراهية.
وتحدث الغذامي عن الحرية والمسؤولية، وهي من أخطر المفاهيم التي تعامل معها البشر، ففي الأصل الإنسان حر، إلا أنه مع مرور الزمن اكتشف أن هذه الحرية إما أن تكون فردية مطلقة، حرية تفاوضية وتساومية، ولكي تكون حراً لابد أن تتنزل عن حريات كثيرة من أجل الآخرين، وتكون الحرية معنى كلي، والأحرار متعددون. وهذا ما أكده مونتسكيو بتعريفه للحرية "أن تفعل كل ما لا يضير غيرك". ولكن في تويتر يجري الاعتداء على خصوصية الناس وحرياتهم وحجرية تفكيرهم وإرادتهم ورغاباتهم، حتى تجد أن المقموع يقمع الآخرين، والقامع يتحول إلى مقموع.
القضية كيف نجعل تويتر مادة تربوية بالمعنى الأخلاقي والمتسامي للتربية، فاللغة سلاح لك وعليك، نجد أن لغة السياسة ولغة التغريد على المستوى نفسه، فاللغة في كثير من التغريدات وصلت لمستوى متدني.
وأشار الغذامي أن التويتر في المقابل أيضاً أفاد اللغة العربية من حيث الإسهاب حيث كانت اللغة العربية مصابة بالإطالة، وأضاف صفة الاقتصاد اللغوي، فطورت لغة الشباب، وجعلت الجميع يكتب بالفصحى وبأساليب بلاغية مختصرة ودقيقة ومقننة.
وأكد أن ممارسة الكتابة تجعل الجيل الشاب منفتح الذهن وأمهر في التعامل اللغوي، وأكثر قدرة على التعبير والصياغة اللغوية والكتابة الجيدة، وأنه إذا أجريت دراسات على كتابات الشباب على تويتر خلال عامين على سبيل المثال سيلاحظ تطور جيد في استخدام اللغة وصياغتها بشكل صحيح، وأكد على أن إنتاج اللغة لدى الإناث أكثر مهارة منها لدى الذكور لأن الإناث أكثر إنتاجاً للغة.