جوهرة العرب - د. منى محیلان/ أستاذ مشارك - الجامعة الأردنیة
صدرت الطبعة الأولى لھذه المجموعة القصصیة سنة 2019 عن أمواج للطباعة والنشر والتوزیع، وھي المجموعة السادسة عشرة من سلسلة مجموعات الكاتبة غیر المشتركة مع كاتب آخر. وتتألف من (206 (صفحات من القطع المتوسط. تتراوح أحجام القصة في ھذه المجموعة ما بین أسطر معدودات وبین صفحات لا تزید على عشر، كل ذلك بما یتناسب وحجم الكاذب المجتمعي أو الثقافي أو الوظیفي وكذبتھ.
في صفحة الإھداء عنونت القاصة الإھداء بوصف (كاذب)، وكتبت تحتھ: "إلیھن عندما یُجِدن الكذب كي یوارین الألم خلف الصمت. إليّ؛ لأنني أفوقھن قدرة على الكذب. إلى مولانا الكذب الذي یھبنا البراء كلما احتجنا إلیھ في عالم لا یدین إلا لھ ولمریدیھ من الخراصین." ثم أتبعت ذلك بصفحة نقشت فیھا عنوانین: الأول: درب، وتحتھ كتبت "لولا الكذب ما كانوا وما كان الألم"، والثاني: إجابة، وجاء التعلیق
تحتھ "ھذه أكاذیبھنّ وأكاذیبھم فماذا عن أكاذیبكم؟"
منذ البدایة وقبل إزاحة الستار عن مشاھد ساخرة لوجوه الكذب المتلبسة للبشر في كل زمان ومكان، تلخص القاصة فلسفتھا في حالة من السلوك الإنساني ھو الكذب، فترصد لھ مقدمة تعنونھا بمولانا الكذب، وترى أن "كل من یزعمون أنھم على خصومة مع مولانا الكذب ھم یخرصون".
ومع أن المبدعة صنفت عملھا ضمن مجموعات قصصیة إلا أنني أرى ھذا العمل روایة مكتملة العناصر والأركان، أو ھي تقارب الأعمال الإبداعیة الفنیة لیاسر العظمة (مرایا). روایة ھي عبارة عن لوحات مشھدیة تفتح للقارئ أبوابھا بعد أن
یجتاز عتبات المجموعة (الروایة) فتراه یلج إلى دوائر تنداح لتجتمع في أربعة عشر عالَما من عوالم الكذب ونماذجھ في طبقة أو فئة أو مجموعة ثقافیة أو أكادیمیة أو مھنیة أو مجتمعیة؛ یؤلف بینھا نوع متفرد من الكذب.
في الفصل الأول المعنون بِ(أكاذیب النساء) سبعة مشاھد لھا وجھان: وجھ الأكذوبة ووجھ الحقیقة: العانس. الخادمة. الزوجة. الجمیلة. العروس. الحرة.
الساحرة. وفي كل أكذوبة مثّل الكذب حیلة دفاعیة لحالة من حالات القھر والمعاناة عند المرأة التي اختارتھا القاصة نموذجا لھذه الثنائیة فیھا.
وھكذا تفتح القاصة بوّابات دوائر الكذب، حاملة كامیراھا الخفیة، تلتقط فیھا مشاھد من أكاذیب العدالة، فأكاذیب مُباحة، ومنھا إلى تخریصات، فصھوات الكذب، ومن
لم تعنَ القاصة في مجموعتھا ھذه برصد مواصفات خارجیة للشخصیة بقدْر ما اعتنت بتسلیط الضوء على الصراع الداخلي للشخصیة التي تضطر اضطرارا إلى
الكذب، حتى لیأخذ الكذبُ صورة تجمیل الواقع أمام الذات أو الآخر أو انتقاما من الواقع أو مداراة لخیبات فیھ. ففي أكاذیب الزوجة: "شرعت تنفق حیاتھا بابتسامة لا
تفارقھا، وبانغماس كامل في العبادة وانتظار الموت ومراقبة زوجھا بسعادة ورضا وفرح، وھو یستردّ شبابھ وعمره المھدور بصحبة زوجة شابة حسناء تنھب منھ
دون توقف أو ارتواء المال والھدایا والتدلیل والحب..." ص 27 ،وفي حقائق
الزوجة "... وكلما رأت زوجھا یستردّ شبابھ مع زوجتھ الشابة الجمیلة، طارت إلى
عشقھ المشتراة بباھظ المال دون أن یفیض علیھا بكلمات الثناء على رجاحة عقلھا
وأصالتھا ودماثتھا" ص 28
وفي ھذه المجموعة (الروائیة) اعتنت القاصة بالمواصفات الداخلیة للشخصیة
وخاصة آفة الكذب، فسلطت الضوء علیھا أكثر مما اعتنت بالمواصفات الخارجیة،
لكن حین دعت الضرورة الفنیة إلى رسم المظھر الخارجي في (أكاذیب الجمیلة) فإنھا رسمت صورة كاریكاتیریة للشخصیة (لا ترقى بجمالھا كثیرا على جمال قردة كثّة الشعر حمراء المؤخرة) ص 29 .
نوّعت القاصة في أسالیب سردھا ما بین سرد السیرة والموقف المشھدي والحواریة
وتیار الوعي واستلھمت التراث كما في (ألف كذبة وكذبة)، لكنّ الغالب على السرد
ھو سرد السیرة الغیریة، مما مكّن القاصة من التنقل بین شخصیاتھا بكمیراھا
الخفیة، ترصدھا وھي في حالات كذبھا على الذات أو الآخر حتى لو كان الآخر ھو
الله - سبحانھ وتعالى-.
وحین تصل إلى قفلة الروایة تجد أن دوائر المجموعة قد تعالقت وتراكمت؛ لتكشف
عن وجھ المدینة غیر الفاضلة بما قامت بھ الروائیة من دراسة مسحیة لآفة الكذب
في المجتمع بأكملھ إناثا وذكورا، كبارا وصغارا، علماء ومتعالمین، فقراء وأغنیاء،
حتى لكأن القارئ یقف أمام ذاتھ لیسألھا، ھل ظھرتُ في إحدى ھذه المرایا؟؟؟؟ لقد
ظھر على مسرح الروایة من معارفي فلان وفلان وفلانة وفلانة.