رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

الكورونا .. والأنظمة الدولية الكورونية .. بقلم الدكتورة مجد خليل القبالين

الكورونا .. والأنظمة الدولية الكورونية .. بقلم الدكتورة مجد خليل القبالين
جوهرة العرب - د. مجد خليل القبالين 
دكتوراه علم اجتماع / علم الجريمة

أصبح فيروس الكورونا حديث الساعة ومحط أنظار العالم أجمع ، فهو حرب تم شنها ضد البشرية جمعاء ولكنه يحمل في ثناياه العديد من الاسئلة المُعّلقة العميقة والتي لا تزال بحاجة الى إجابات ، منذ بداية أزمة الكورونا وانطلاقه من الصين وارتفاع أعداد الاصابات والوفيات حول العالم  بالرجوع الى سجلات الإصابات الى الميلون إصابة و50 ألف حالة وفاة كما نشرته تقارير مُنظمة الصحة العالمية حول ما تتوقعه بالمُستقبل من ارتفاع لمُعدلات الإصابة والوفاة ، وأعلى نسب الإصابات والوفيات كانت في إيطاليا والصين والولايات المُتحدة الامريكية وإيران ولم تسلم إسرائيل من إصابة الآلاف من رعاياها بالكورونا ، حيث أعلنت جامعة جونز هوبكنز في الولايات المُتحدة الامريكية أن عدد الوفيات وصل إلى 4300 حالة وفاة ، بعد تسجيل أكثر من ألف وفاة خلال 24 ساعة في حين تخطى إجمالي الإصابات إلى 199 ألف حالة ، وأصبحت الولايات المُتحدة الامريكية في الكثير من الولايات لديها تُعاني من نقص حاد في أعداد الأسّرة وأجهزة التنفُس الاصطناعي ، أما إيطاليا فلقد حذر الأطباء والنقابات لديها الحكومة من سياستها غير الصحيحة والمدروسة جيداً وسياستها المُتخبطة بشأن إرسال المرضى الذين يخرجون من المُستشفيات إلى دور رعاية رغم أنهم يحملون الفيروس ، ووصفوا هذا الإجراء بمثابة (القنابل البيولوجية) .
 وتُعاني الكثير من الدول الأجنبية ضغوطات على حكوماتها بسبب فشلها الذريع في التعامُل مع أزمة الكورونا ، وبلغت عدد الإصابات في فرنسا كما قال مُدير الصحة الفرنسي 9630  ، وبلغت عدد الوفيات حتى اليوم 4032 شخصاً ، أما بالنسبة للدول العربية فلقد انخفضت أعداد الإصابات والوفيات لديها مُقارنةً بالدول الاجنبية وهذا يُشير الى العديد من الدلائل أهمها:
- الدول العربية مُجتمعاتها فتية شابة حيث ترتفع فيها نسبة اعداد الشباب أضعاف كبار السن ، أما في الدول الأجنبية فمُجتمعاتها ترتفع فيها نسبة كبار السن على شريحة الشباب ، ومن المعروف أن الفيروس يُصبح قاتلاً لكبار السن الذين يتسمون بضعف جهاز المناعة لديهم.
- الدول العربية كانت دول مُستقبلة للفيروس وليست دولاً مُصدرة له ونُقطة انطلاق له ، فانطلاقة هذا الفيروس كانت من الصين.
- مع أزمة الكورونا أثبتت العديد من الدول الأجنبية أن أنظمتها توصف بالأنظمة الكورونية الفيروسية حيث أثبتت فشلها الذريع في التعامُل مع الأزمة وعدم قُدرتها على إتخاذ وتطبيق الاجراءات الاحترازية لمُكافحة الفيروس ، وأصبحت تلك الأنظمة التي أثبتت ضعفها من أهم وسائل استفحال الفيروس بشكل كبير.
- المُثير للدهشة أن هُنالك العديد من الدول الأجنبية التي تُعاني تفشي الفيروس لديها مثل الولايات المُتحدة الامريكية في بعض ولاياتها تضع خُطط تنُص على عدم إعطاء الأولوية في العلاج من فيروس كورونا للأشخاص الذين يعانون التخلُف العقلي الشديد والخرف ومن غير المُرجح أن يحصلوا على أجهزة التنفُس الصناعي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هُنا بشأن تلك السياسات التي يُمكِن وصفها بأنها سياسات " ليست على قيد الانسانية " هل هذه السياسات تتفق مع مُنظمات حقوق الانسان الغربية التي صدع الغرب رؤوسنا بها ، أم أنه من الصعب تطبيقها في هذه الظروف التي تُعاني فيها البشرية جمعاء من فيروس عالمي يُهدِد وجودها ؟
لقد بات النظام الرأسمالي العالمي أكبر فيروس يُهدد البشرية جمعاء حيث تتفوق فيه المادة على القوة البشرية ، بل أنه أصبح يُحدد من يعيش ومن يموت ومن يستحق أن يحظى بالرعاية الصحية ومن يستحق الموت ، فأصبح النظام العالمي الرأسمالي ينظر للبشر كأدوات مُنتِجة للمال فقط يستحق العلاج منهم من يُدر المال فقط ولا يُشكل عبء على كاهل الحكومة يتمثل بالرعاية الصحية ، أما من يعانون من أمراض فليس لهم الحق بالعيش؛ لأن العيش أصبح ثمنه المال في تلك الدول الرأسمالية ، ولأنهم يشكلون عبء ثقيل وحمولة زائدة على الدولة .
لقد وضع فيروس كورونا العديد من الدول بل العالم أجمع عند مُفترق طُرق بين تطبيق الانسانية بحق الجميع واستحقاقهم للعلاج من جهة ، وتطبيق النظام الرأسمالي العالمي الذي يؤمن بالمادة فقط والذي يُمكن وصف العديد من الدول فيه بأنها دول مؤسسات أمثال الولايات المُتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة أخرى.
لطالما نحن العرب كُنا ولا نزال نعيش في وهم أن الغرب يقدمون الرفاهية في مجال الرعاية الصحية لرعاياها ولكن أزمة الكورونا وما كشفته من الفشل الذريع للعديد من الأنظمة العالمية لدول عُظمى في التعامُل مع الأزمات البشرية وإدارة ملف الأزمات والكوارث وعدم القُدرة على إدارته يجعلنا نُعيد النظر بذلك الوهم المُصطنع الذي صنعته الاتفاقيات الدولية الوهمية التي تُنادي بحقوق الانسان والتي هي في باطنها لا تُطبق على الجميع وليس في جميع الظروف ، بل أنهم يعطون لأنفسهم الحق بتحديد من يعيش ومن يموت ومن يستحق الرعاية الصحية ومن لا يستحقها.
لقد أثبتت أزمة الكورونا نجاح الأنظمة العربية والشعوب في التعامُل مع الأزمة بالرغم من محدودية قُدراتها وإمكانياتها وخصوصاً التشدُد بإجراءات العزل والحجر ومنع التجول على عكس الدول الأجنبية التي أدى تهاونها إلى استفحال الفيروس لديها بشكل ملحوظ.