بعد عدة حوادث تم خلالها ارتكاب مخالفات صريحة وواضحة للإجراءات الحكومية الاحترازية التي وضعت لحماية المواطنين من خطر انتشار وباء الكورونا ، وأبرزها حادثة أحد موظفي مجموعة الفارميسي ون ، خرجت عدة مواقع إخبارية ، تطالب بالتشهير بالاسماء الرباعية للمصابين بفيروس كورونا ، مستندة في مطالبتها على عدة منشورات "فيسبوكية" وتحت مسمى "مطالبة شعبية" !!.
تلك المطالبة أثارت حفيظة قلمي الذي لم يكتب خلال أزمة كورونا سوى رسالة واحدة لوزير الصحة الدكتور سعد جابر ، كنت قد شكرته من خلالها على الجهود المبذولة والتي أثارت إعجاب كل اردني واردنية ، أما اليوم فاكتب للرد على المطالبين بالتشهير بمصابي فيروس كورونا في الأردن ، ورغم يقيني التام بأن الحكومة لن توافق على أمر التشهير ، فمن خلال متابعتنا للإجراءات الحكومية المتخذة منذ اليوم الأول لصدور الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء إعلان العمل بقانون الدفاع رقم ١٣ سنة ١٩٩٢ لمواجهة خطر انتشار جائحة الكورونا ، أرى وبشكل بديهي أن الدولة التي كلفت نفسها الغالي والنفيس في سبيل حماية شعبها لم ولن تقبل بانتهاك خصوصية المصابين والتشهير بهم ، والجيش والأمن الذان وقفا دروع بشرية للحفاظ على الوطن والمواطن لم ولن يتقبلوا أمر انتهاك حقوق المرضى وخصوصيتهم ، وان الشعب الذي هب لدعم جهود وزارة الصحة وصناديق دعم المتضررين من قرارات التعطيل لم ولن يطالب أيضا بالتشهير وبالاسماء الرباعية لهؤلاء المصابين الذين نسأل الله لهم العافية وللوطن وقيادته وشعبه الخير .
وبالنظر إلى طرق التعامل الرسمي مع حوادث مشابهة نرى أن الرفض كان مرافق لكل محاولة بالتشهير وان الحكومة ملتزمة بالحفاظ على سرية خصوصيات المرضى واحترامها ، ففي المثال الأول : قامت إحدى المستشفيات قبل عدة أيام وتحديدا في الرابع من نيسان ابريل لعام ٢٠٢٠ بنشر أسماء اطفال كانوا قد تواجدوا في المستشفى أثناء دوام طبيب ثبتت إصابته بفيروس كورونا ، ولكن سرعان ما قامت إدارة المستشفى بحذف الاسماء وخرج المدير بتصريح تلفزيوني عبر أحدى القنوات الفضائية مقدما الاعتذار على هذا الخطأ الذي لم يكن يقصد التشهير إنما بدافع الحرص الزائد على هؤلاء الأطفال بعد تعذر التواصل مع ذويهم بشكل مباشر .
وعن الحادثة ذاتها ، تحدث وزير الدولة لشؤون الإعلام امجد عودة العضايلة ، خلال إيجاز صحفي في اليوم ذاته ، حيث أكد أن هذه الحادثة "خطأ ، وسنحرص على أن لا يتكرر في الأيام القادمة" .
وبالعودة للوراء قليلا في المثال الثاني ، وتحديدا لتاريخ التاسع عشر من آذار مارس لعام ٢٠٢٠ ، كانت القيادة العامة للقوات المسلحة - الجيش العربي ، قد أصدرت بيانا حذرت خلاله من تداول أية بيانات شخصية للحالات المصابة بفيروس كورونا ، وذلك بعد تداول مادة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحتوي على أسماء مرضى بالفيروس ، واكدت القوات المسلحة من خلال البيان ذاته على "إحترام الخصوصية الصحية والطبية للمواطنين ولزوار المملكة والحرص على حماية بياناتهم" ، منوهة على أنها ستوقع أشد العقوبات وفق أحكام القانون بحق من يثبت قيامه بنشر هذه المعلومات .
وفي موقف آخر ، فقد أجبرت وزارة الصحة بتاريخ الخامس عشر من آذار مارس لعام ٢٠٢٠ على نشر اسم مريض كان قد "هرب" من إحدى المستشفيات بعد ثبوت إصابته بفيروس كورونا ، فلجأت الوزارة لنشر اسمه بهدف سرعة العثور عليه قبل أن يتسبب بإصابة غيره اثر مخالطته لهم ، وما إن تمت عملية إعادة المصاب للحجر الصحي في المستشفى ، حتى طلبت الوزارة ومديرية الأمن العام بعدم تداول اي معلومات شخصية عن المصاب .
تلك المواقف تقودنا إلى عنوان واحد لا يمكن لأي ظرف أو حدث أن يغير مفرداته : الدولة التي كلفت نفسها الغالي والنفيس من أجل حماية شعبها ، لا يمكن أن تقوم بالتشهير بهذا الشعب ، والحكومة التي أخذت على عاتقها المسؤولية الإنسانية في هذه الظروف لن تسمح بانتهاك خصوصية المرضى ، والجيش والأجهزة الأمنية الذين عرضوا أنفسهم للخطر في سبيل حماية المواطنين وانقاذهم ، لم ولن يقبلوا أن ينتشر الخوف من المرض بشكل اخطر من انتشار المرض ذاته .