نظمت رابطة أديبات الإمارات، التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة عن بعد ندوة "الأوبئة في الأدب"، لمناقشة كيف وظف عدد من الأدباء الأوبئة في كتاباتهم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث تم اختيار روايتين هما "الطاعون" لألبير كامو و "الحب في زمن الكوليرا" لجابرييل غارسا ماركيز.
شاركت في الندوة عدد من الشاعرات والروائيات منهن: فتحية النمر، صالحة عبيد حسن، أسماء الزرعوني، فاطمة الهديدي، وصالحة غابش، والكاتبة السعودية تغريد البشير، وكذلك شيخة المطيري التي نقلت الحوار والموضوع عبر برنامجها الأسبوعي في إذاعة الشارقة "مساء الثقافة".
الأديبة فاطمة الهديدي، قالت:
"ينقل لنا الأدب أحداثاً بالرغم من أنها مآس إلا أن الأدب أرخها وخلدها، ونستعيد تذكرها وربطها بأحداث العصر، ومنهما روايتي الطاعون والحب في زمن الكوليرا، وفي الحقيقة مثل هذه الأعمال هي معرفية في الواقع كما هي ثقافية، لكونها تتضمن رصدا لأسباب الأوبئة أو الحروب بداياتها وخواتيمها."
وقارنت الهديدي بين روايتي الطاعون والحب في زمن الكوليرا مشيرة إلى أن كلتا الروايتين تناولتا وبائين فتاكين بالبشرية، وهذه الأوبئة تعيث زهقا للأرواح في المجتمعات الفقيرة، وحيث يرتع الجهل والتخلف والظلم والطبقية المفرطة، ورغم ما نقلته هاتين الروايتين من وقائع إلا أننا نعرف أن لخيال الكاتب المساحة الأكبر في العمل إذ يتناول حدثاً ويبني عليه ما يشاء من المبالغات، وهذا أمر مشروع وربما هذه إحدى وظائف الأدب.
بينما قالت الروائية فتحية النمر في مداخلتها:
"موضوع الأوبئة من المواضيع الكبرى والمهمة التي تناولها الأدب من قصاصين وروائيين وشعراء وهي عناوين عديدة خلدها الحرف من أمثلتها قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة، التي كتبتها عن الجائحة التي حلت في مصر وحصدت العديد من الأرواح، وبالنسبة للسرد هناك روايتي الحب في زمن الكوليرا والطاعون، والتي أجدها ممثلة بجدارة لأدب الأوبئة هي رواية الطاعون التي تتحدث عن الطاعون في مدينة وهران عندما كانت مستعمرة فرنسية وكيف بدأ بنفوق الفئران وعندما توقف ذلك النفوق بدأ موت البشر".
وأضافت النمر مشية إلى رواية كامو التي يبدو أن كاتبها قد تنبأ بما سيحصل في العقد الثاني من الألفية الثالثة، حيث أشار لمعلومة أن العالم كان موعودا بالأوبئة كل مائة عام، بين السل والكوليرا والطاعون والكورونا.
وختمت النمر مداخلتها قائلة: "أؤمن بأن في كل محنة منحة في الظروف الاستثنائية أمامنا ككتّاب فرصة لزيادة رصيدنا الأدبي والخوض في موضوعات وثيمات غير اعتيادية".
الكاتبة السعودية تغريد البشير، قالت في مداخلتها:
"تناول عدد من الأدباء العالميين والأدباء المحليين قصص الأوبئة والأمراض التي اجتاحت العالم عبر التاريخ من خلال قصصهم ورواياتهم وفي بعض الأحيان يتداخل خيالهم الأدبي مع الواقع ويغلب عليه كما فعل الأديب العالمي ماركيز في روايته الرائعة الحب في زمن الكوليرا"، وأحياناً يسردون ما كان حاصل ليبرزوا جانب من جوانب التاريخ لقرائهم وهذا ما فعله الأديب السوداني عمر فضل الله، في روايته أنفاس صليحة، عندما تحدث عن وباء الطاعون الذي اجتاح المغرب العربي وبلاد شنقيط بعد سقوط الأندلس بفترة قصيرة".
الروائية أسماء الزرعوني، قالت:
"عادة عند كتابة رواية، لابد من أمر يقدح زند الكتابة، أحيانا يكون موقفاً مر على الكاتب أو مشهداً ما، وتارة يكون جملة أو كلمة تدق جوانب عقله،وأحيانا يبدأ الكاتب من لا شيء، فقط لديه احساس أنه يحتاج أن يكتب، فيمسك بالقلم ويدعه يفعل ما يشاء، ربما أنتج خاطرة أو قصيدة أو قصة، وأعرف روائيين مشهورين من هذا النوع.
وهناك من هو منظم ومرتب، لديه طقوس خاصة. يكتب يوميا في وقت معين، ولديه خواطر يسجلها ويبدأ منها."
وبالنسبة لماركيز فالكوليرا فربما يكون أهم ما فيها السبب الذي دفع كاتبها، وهو تأثره بوباء الكوليرا، وكما نعلم فقد نشرت الرواية للمرة الأولى باللغة الإسبانية، وحققت نجاحاً باهراً وترجمت لعدة لغات، وتحولت لفيلم سينمائي".
وقالت الأديبة صالحة غابش:
"لفت انتباهي مقالة في إحدى المواقع عنوانها : "الطاعون والأوبئة في الروايات.. من سيكتب عن كورونا؟"
وأضافت:
ربما كانت قراءاتنا المبكرة للروايتين الأشهر في تناول الأوبئة كالطاعون والحب في زمن الكوليرا.. أبهرتنا في أسلوب التناول الشائق.. والجاذب لأحداث الروايتين اللتين لا تخلوان من ثقافات حياتية أدهشتنا حينها وربما تدهش من يقرؤهااليوم.. حتى أننا قرأنا تفاصيل طبية ربما أضافت إلى معارفنا العامة شكلا من الثقافة الطبية مثل الأعراض، وشكل المقاومة والعلاج.
وأضافت:
ومواجهة المرض لم تقتصر على إشكالية إيجاد الدواء.. أو إيقاف انتشار الوباء.. بل هناك الصوت الإيجابي الذي يسهم في مقاومة المرض. وسؤال المقالة الآنفة الذكر من سيكتب عن كورونا؟ سيأخذ الكاتب المهتم (وخاصة الروائي) إلى عالم من الأحداث لها مستوياها وتعقيداتها.. ستكون مدادا لفكر ووجدان وقلم الكاتب وهو يبحث عن الزوايا الخفية في هذا العالم.. تلك الزوايا الموجودة في خياله وخاصة لما تحويه هذه الموضوعات من أحداث إنسانية كبيرة.. كتلك التي نراها اليوم في الواقع.. وأي ألم من أن يجري الطفل مستقبلا والده الطبيب في شوق يريد حضنه، فيوقفه أبوه ثم ينهار بكاء؟.. حكايات ستؤرخها الأعمال الأدبية لتبقى في ذاكرة البشرية التي تواجه اليوم تحديا كبيرا وتبذل جهودا غير مسبوقة لإيقافه.
وكان للأديبة صالحة عبيد، مداخلة على الهواء مباشرة خلال البرنامج، حيث قالت:
"قرأت تقريراً يشير إلى ارتفاع مبيعات رواية "الطاعون" مؤخراً، وأدركت أن هناك ما يقودني لقراءته، وبالفعل قررت أن أقرأ الرواية، وأدركت كم يحمل من تفاصيل حول تفشي الأوبئة والفقر والجهل، والخيار الأخلاقي الصعب أنا أو أنت، ووصفت الرواية كيفية التعاطي مع الخوف والاستسلام وانتظار الموت بعد عزلة للمدينة الجزائرية وهران التي يقع فيها الطاعون لفترة امتدت لسنة، ورغم هذا تعطي الرواية الأمل باستمرار، بأن هناك ضوء في آخر النفق، ولكننا لا نعلم متى سيأتي، وتشير الرواية للتغيرات البطيئة التي كانت تحدث في المدينة، وكيف أنها لم تعد كما كانت قبل الوباء".