عقد صالون القراءة في ندوة الثقافة والعلوم أولى جلساته الافتراضية والتي لاقت نجاحاً كبيراً من المشاركين، مما حدا بإدارة الصالون إلى توسيع قاعدة المشاركة لأكبر عدد من الراغبين حيث أضفى تفاعل الحضور ومشاركتهم طابعا جاداً وحماسياً بين الجميع عند قراءتهم ومناقشتهم لرواية المعطف للكاتب الروسي نيكولاي غوغول.
حضر الجلسة الافتراضية عائشة سلطان عضو مجلس إدارة الندوة ورئيس اللجنة الثقافة، ود. سلطان فيصل الرميثي الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، المدير التنفيذي للتحرير والنشر في شركة أبوظبي للإعلام، ود. مريم الهاشمي أستاذة الأدب العربي بكليات التقنية، والكاتبة الإماراتية فتحية النمر والمهندسة هالة عادل، والإعلامي نادر مكانسي والشاعرة كريمة السعدي ومجموعة من مشاركي الصالون.
بدأ الصالون بإلقاء الضوء على الأدب الروسي بشكل عام وبدايته عند قيام الروس بترجمة الكتب من الكثير من اللغات وخاصة الشرقية بعد قيامهم بالحج إلى الأماكن المقدسة في المشرق واختلاطهم بثقافة المنطقة وخاصة الإغريقية منها، وكان طابع الثقافة والأدب الروسيين يحمل طابع ديني وكثير من أدباء وكتّاب ذلك العهد هم من رجال الدين والمطّلعين على الثقافة الإغريقية.
ويعد ذلك شهد القرن السابع عشر تحولا جذريا في الأدب الروسي، نتيجة ترجمة عدد كبير من الأعمال الأدبية الغربية وتقليدها.
رحبت عائشة سلطان بالحضور وألقت الضوء على العمل الأدبي، وذكرت أن (المعطف) للروسي نيكولاي غوغول واحدة من كلاسيكيات الادب الروسي، وهي تجسيد لمرحلة النضج الابداعي لديه، كما يمثل هو ككاتب ومسرحي الأب الروحي للأدب والأدباء الواقعيين الذين ولدوا من قلب المعاناة والفقر والظلم الطبقي والتهميش الذي عانت منه اغلبية فئات الشعب الروسي فترة الحكم القيصري، ومن هنا جاءت المقولة الشائعة (كلنا خرجنا من معطف غوغول) والتي تنسب لأكثر من أديب. المعطف تجسيد للتيار الواقعي الروسي، وتعبير حقيقي عن حالة الفقراء والمهمشين الذين كتبت عليهم اقدار محددة لا يستطيعون الفكاك منها وحتى حين يحاولون ان يحلموا احلاما صغيرة تنقذهم من بؤسهم يعود الفساد وسرّاق الاحلام لسرقتها .. هذا ما يجسده بطل الرواية (أكاكي أكاكيفيتش) ومعطفه الجديد.
وأضاف د. سلطان فيصل الرميثي بأن هناك سؤال سوف يتبادر إلينا ونحن نقرأ رائعة غوغول: هل يحق لذوي الشخصيات الهشة أن يحلموا في الحياة؟
اقتصر حلم بطل القصة على معطف جديد يواري فيه سوءة حياته، والتي وإن كانت رتيبة في كل تفاصيلها إلا أنه كان يراها حياة روتينية بسيطة يستحقها جموع البشر ممن يعيشون في قاع المجتمع، لم يكن ليتلفت إلى حياة البذخ التي يعيشها غيره، ولم يأبه بما يمارس ضده من تنمر، كان حلمه معطفا جديدا - فقط لا غير- وكأن الحياة تختبر صلابتنا، وتمتحن قدراتنا على المواجهة والقتال من أجل أحلامنا.
وعلقت الكاتبة فتحية النمر قائلة أن الأدب الروسي واقعي نقدي يعري المجتمع بطريقة رائعة توظف السخرية، والمعطف هي قصة كتبها صاحبها جوجول أعظم أدباء روسيا عام 1847 أي قبل أكثر من ثلاثة قرون من اليوم ولكننا عندما نخضعها للسؤال الآتي هل هناك ما يوحي إن في بنائها أو في مضمونها بأنها مكتوبة منذ ذلك الزمن البعيد؟
الحقيقة لا. لا شيء يشير بهذا إن من حيث البناء الذي هو نفسه السائد اليوم وتقنياته من سرد وحوار ووصف وزاوية النظر ومخاطبة القارئ فضلا عن أنها من حيث المضمون قد تعرضت لمشكلة إنسانية عامة هي الفقر المدقع وتأثيره على الانسان المشكلة الأزلية إلى يوم القيامة. لأجل هذين السببين فأننا نقول عنها أنها قصة خالدة ويحق لنا أن نسمها بالأثر الباقي.
وأردفت فتحية النمر أن أكثر ما لفت انتباهي في القصة هو الشخصية الرئيسية أكاكي التي بناها صاحبها متمهلا وبدقة كبيرة حتى خرجت من تحت يده بضربة معلم كما يقولون لم يترك فيها جانب ولا تفصيلة إلا وأفصح عنها وأضاءها بلغة سلسة إن كانت تلك التفصيلة تخص الجانب الخارجي الجسدي فقد قال هو ذو رأس صغير وأصلع فوق الصدغين ووجهه مجدور وقامته ليست طويلة.
ومن الناحية النفسية هو يتصف بالهدوء والتأني والطيبة والتحكم الشديد في انفعالاته فهو لا يلتفت إلى ما يقذفه به الناس من كلام ساخر وبذيء وهجوم كبير ومستمر. كما أنه شغوف بعمله بدرجة غير طبيعية يتلذذ به ويأخذه معه إلى بيته ليتسلى بإنجازه ليلا.
من خلال ذلك الاتقان والمهارة في صنع الشخصية الرئيسية بل والشخصيات الأخرى المساعدة. كالخياط الأعور والرجل المهم وتركيزا مني على شخصية أكاكي أقول بأنني شعرت أن العلاقة بين جوجول وأكاكي بمعنى آخر العلاقة بين الراوي والمؤلف هما أحد أمرين: إما أن أكاكي هو شخص مقرب لجوجول كثيرا يعرفه تماما كما يعرف نفسه حتى ينجح بهكذا رهافة وثقة في تصويره بحيث لا يفوته منه شيئا لا داخليا ولا خارجيا إلا وأبانه للقارئ أو أنه هو نفسه أكاكي؟
أما صفات أكاكي الشخصية فأبرزها الشغف بفنه في نسخ الكلمات والتلذذ به والانقطاع به عن العالم وهو عمل الفنان والأديب والمبدع بشكل عام
لقد نجح وحول الشخصية الورقية إلى شخصية نابضة بالحياة شخصية من لحم ودم وكأنني أعرفها وسبق لي معرفتها حتى أنني وجدت نفسي في بعض ملامحها.
هذا المجتمع الذي رسمه لنا جوجول والغارق في الطبقية بامتياز بدليل الوصف الذي ذكره جوجول للشوارع التي كان يقطعها صاحب المعطف للوصول إلى بيت صاحبه الذي أقام حفلة احتفاء بالمعطف الجديد واحتفاء بيوم ميلاده هو شخصيا وكيف أن الشارع كان يحوي بشرا مختلفين عن أولئك الذين يعرفهم أكاكي ويقطنون في شارعه أو الشوارع المجاورة بأنهم لا يلبسون الشحاطات التي تكثر فيها الدبابيس الذهبية أسوة بالفقراء وأن معاطفهم تختلف عن معاطف الفقراء وهي غالبا ما تكون مزينة بالفراء.
والتساؤل هل المعطف هي قصة أم رواية؟ هي قصة طويلة.
لماذا؟ لمحدودية الشخصيات ومساحة الزمن والمكان المحدودة ولكنها قصة طويلة وتستهوي بعض الكتاب كتابتها.
هل هي قصة واقعية؟ نعم واقعية نقدية تقوم على تعرية المجتمع الروسي وفضحه وبيان عيوبه الكثيرة بطريقة جميلة.
أن للحلم قوة وتأثير السحر عند صاحبها مهما كانت مساحة الحلم أو كان نوعه فغاية حلم أكاكي هو الحصول على معطف يقيه الصقيع ويحميه من آلام الظهر والكتفين ولأجل هذا الحلم استنّ لنفسه نظاما قاسيا في الأكل والإنارة والمشي وغير ذلك ومن يسمعه يظن أنه ينوي بذلك الإخلاص والجدية والحزم والحزام الذي طوق به بطنه طيلة ثلاثة أشهر يظنه يخطط لاقتناء قصر أو بيت أو الزواج أو السفر أو التجارة ولن يتصور إن غاية أمله هو معطف بثمانين روبلا.
وتحوله بعد الموت من شخص وديع مسالم إلى شبح يطارد المعاطف ولم يسكن روعه ويهدأ إلا بعد أن انتزع معطف الرجل المهم. إذن فهي قوة السحر التي يمتلكها الحلم مهما كان نوعه فعلينا ألا نستهين بأحلامنا مهما صغرت فلربما حلم صغير بلغ بنا عنان السماء.
وقالت المهندسة هالة عادل أن نيقولاي غوغول كاتب روسي يُعد من آباء الأدب الروسي. وُلد في في 1 أبريل 1809 وتوفي في 4 مارس 1852. من أعماله الأكثر شهرة رواية النفوس الميتة وقصته القصيرة المعطف، بالإضافة إلى المسرحيتين الكوميديتين المفتش العام وزواج. اشتهر بالكتابة بأسلوب كوميدي ساخر
ومن أشهر أقواله: دائما فكر بما هو مفيد وليس ما هو جميل فالجمال يأتي من تلقاء نفسه.
وعن الرواية ربما أهم ما قيل في هذه الرواية هو ما قاله دوستوفيسكي أننا كلنا خرجنا من معطف غوغول، نحن نقرأ هنا معاناة العامل الموظف البسيط المطحون في الأنظمة البيروقراطية أكاكي المعترض دوما للسخرية من زملائه في العمل، هذا العامل الذي يعود وقت الشتاء عليه و يرى حاجته الى شراء معطف جديد نظرا لاختراق معطفه مما يحتمه لإعادة جدولته حياته البسيطة لتوفير ثمن لهذا المعطف، فالمعطف رمز هنا هو رمز احلامه و ما يصبو له، العظمة في هذه الرواية هو في رسم ووصف التفاصيل بدقة، ومن وجهة نظري البطل استسلم بسبب الخذلان و التحطيم و الهشاشة في شخصيته ظهرت عندما سلب منه معطفه
وعلق نادر مكانسي بأن غوغول كتب القصة قبل 178 عاما وفيها مشاهد الحياة التي نراها الآن ومن هذه المشاهد تنمر العالمين في مكتب العمل على اكاكي واستهزائهم به لعدة أسباب منها ضعف شخصيته وفقره ايضا .
وموضوع الفقر في القصة له دلالة كبيره كيف أن الفقير له حلم ولكن هذا الحلم يسرق منه دون ان يتمكن من استعادته ويتمثل الحلم بالمعطف الذي ادخر كثيرا لدفع قيمته وحرم نفسه من أمور عديدة من أجل شراء المعطف.
اما الشخصية المتكبرة التي لجأ اليها للمساعدة في إرجاع المعطف دلالة على البيروقراطية والتي لا تزال قائمة في كثير من المجتمعات حتى الآن وان القوي يتجاهل حق الضعيف .
وأشارت ليلى سعيد إلى أنها ترى أن تلك الأشباح التي تلاحق بعض السكان ما هي إلا الضمير الإنساني لبعض من قسا على أكاكي، وأن الطبيعة البشرية رغم قسوتها الظاهرة في بعض الأحيان إلا أن الضمير الإنساني يكون له حضوره لدى البعض
ذكرت د. مريم الهاشمي أنه لا يمكن الاختلاف على حضور الكفاءة الأدبية لغوغول من خلال معطفه، الذي استطاع به أن يثير كفاءات قرائية لعمله، فالأدب ما هو إلا نظام سيميائي يختلف عن النظام اللغوي فقط من حيث المستوى .
ونجد كذلك حضور خاصية " القبح " في الرواية، والقبح شأنه شأن الهجاء، يندرج تحت مظلة الملهاة ( الكوميديا ) أو السخرية أو التهكم ويصعب تعريفه تعريفا مقبولا إذ تتغير معانيه من حقبة إلى حقبة، ومن حركة ثقافية وفكرية إلى أخرى. وهو كمصطلح أدبي أو فني لم يحض بالاهتمام الكافي.
واعتبره المعاصرون صيغة "جمع النقيضين" أو الصراع التصادمي بين الأضداد، وبهذا فهو صيغة مناسبة –أحيانا – للتعبير عن إشكاليات كثيرة. والمعنيون بدراسة القبح يشيرون إلى أنه يسود في المجتمعات والحقب التاريخية المتسمة بالصراع أو التغير الحاد .
والقبح كشكل أدبي وفني ليس بدعة العصر الحديث، بل ضرب جذوره في الحضارة الرومانية المسيحية، حيث تطور في فن الرسم بالذات التي كانت خاصيته الواضحة نسج العنصر الإنساني بالحيواني بالنباتي بالمعماري في لوحة واحدة، ومم المؤكد أن هذا الخلط يحتوي جانبا من الرعب ممزوجا بالهزلي المضحك . وهو ما نجده في معطف غوغول . ويرى الكثيرون في القبح أسلوبا ذا وظيفة تصحيحية، إذا يجعلنا نرى العالم الحقيقي من منظور جديد يتصف بالواقعية والموثوقية. ولكن السؤال هو هل استجابتنا كمتلقين للقبح له أثر تحريري أو قمعي يفضي إلى التوتر؟ لذا نجده ثنائي الوظيفة .