في مثل هذا اليوم قبل مئة عام قاد الفارس كايد مفلح عبيدات فرسانه وذهب إلى الضفة الغربية لنسف مستعمرات يهودية غربي النهر واستشهد هناك مع عدد من رفاقه.
كايد المفلح تجاوز الجغرافيا والعشائر والزعامات وأصبح رمزًا عروبيًا قاد أول هجوم مسلح فداءً لفلسطين. كايد المولود في قرية كفرسوم عام 1868 في كنف أسرة من عشيرة العبيدات وفي ظل عمّه شيخ العشيرة والناحية عزام الجبر الذي كانت مضافته أول معهد تدريس عرف فيه الشهيد أصول العادات العربية والزعامة. انخرط الشهيد في العمل السياسي النضالي مطلع القرن الماضي وتعرف بزعامات قضاء عجلون ثم حوران ثم على مستوى روابط العشائر الحجازية وقيادات سوريا الكبرى، كان يتعمد عمه الشيخ عزام الجبر (الرجل الذي لا أحد يتكلم قبله بعد مرحلة إبراهيم سعد الدين) أن يتحدث كايد للناس ويمثل العشيرة وناحية الكفارات بعد أن أدرك فطنته وحنكته واستشرف مستقبله.
كايد المفلح، وجه طيب ومنطق سليم وكلام مختصر وتشبُع للقيم العربية. بدأ مرحلة المراسلات مع القيادات والزعامات بعد عام 1916. كتب بخطه الجميل يصف بلفور:"إن هذا العار سيلاصقه للأبد ولن يمحوه إلا التراجع عن الوعد"، وكتب أيضا مهنئًا الملك فيصل في دمشق بالاستقلال:" إن هذا الاستقلال لن يدوم ..وحلم أن تكون فلسطين عربية لن يتحقق إلا بموتنا جميعاً و خير الموت أن يكون فوق أرض فلسطين ".
ومن مراسلاته مع الزعامات المحلية حول مصير شرقي الأردن والحديث عن إمارة على الطريق: رد الشيخ سلطان العدوان على الشهيد:" اعلم يا ابا تركي إن أفكارنا متطابقة مع الملاحظات التي أوردتها في رسالتكم، ولن نطالب بأقل منها، وإن رأيناها غير ذلك، فلن يكون بيننا وبينهم إلا السلام على النبي/ 1919".
كايد المفلح ليس فدائيًا قرر الحرب ضد العدو فقط، كان هاجسه الكبير الوحدة العربية وعدم المساس بأي أرض عربية، وجاء مؤتمر قم الذي اتفق عليه الشهيد مع وجهاء منطقة الكفارات في سما الروسان ( سليمان السودي، كايد المفلح، تركي الكايد، حسين الطوالبة، قويدر سليمان، عزام الجبر) واتفقوا أن يكون في مضارب الكبير ناجي العزام وأن يشمل كل الزعامات ( بني جهمة، الوسطية، الكورة، بني عبيد، السرو، الأغوار، الرمثا، درعا، عجلون) وحضروا جميعا في عز دواوين إربد ديوان الشيخ ناجي العزام يوم 6 نيسان 1920.
كان أقصر مؤتمر عرفته البلاد، فالقوم متفقون على الحرب، افتتحه ناجي العزام بجملة قصيرة وترك الحضور مع خطة حرب العصابات التي رسمها كايد المفلح لنسف المستعمرات بما فيها واتفقوا على يوم 20 نيسان للتنفيذ. طلب كايد المفلح من كل قرية ثلاثين فارسا وجاءه أكثر. وجاء يوم المعركة.
وقف الشهيد أمام مضافة الشيوخ في كفرسوم وقد لبس دامر الجوخ والعباءة المقصبة المذهبة متأبطًا سفيه الفضي و بندقيته و مسدسه وبجانبه أخوه الشهيد فندي المفلح وابن أخيه الشهيد سلطان الجبر وابن عمه الشهيد فندي القفطان ورؤوس الحربة في المعركة الشجعان الشهداء بلال سالم الحجات وسطام القرعان وسعيد القرعان، حتى وصلت خيول بقية الفرسان وانطلقوا مهللين.
كانت الخطة أن يتم الهجوم على المستوطنات اليهودية في سمخ وبيسان وطبريا، واشتبكوا معهم بشراسة تنبئ بفوز محتوم، إلا أن الطيران الانجليزي صار فوق رؤوسهم وبدأت رشاشاته تمطر على المجاهدين وبدأوا بالشهيد القائد وحسموا المعركة بمطر الرشاشات.
عادت فرس الشهيد الصقلاوية وحيدة ونامت أمام مضافة كايد ولوت عنقها الملطخة بدم فارسا وأعلن الشيخ عزام الجبر استشهاد كايد المفلح وقال:" لقد خسرتم الذي قادكم في معركة واحدة ، لكن نحن خسرنا القائد والزعيم والشيخ والابن... مات شيخنا كايد". حمل المجاهدون جثمان الشهيد من أرض المعركة وهربوا بها إلى عمق درعا ثم الرمثا حيث زفوا الشهيد من هناك إلى كفرسوم وحضر عند رأسه شاعر الأردن الأكبر الدوقراني (1830/ 1927) ورثاه بقصيدة مطلعها:
"يوم جاني علم أبو تركي صحيح/ كاني مصروع صايبني جنون
سال الدمع فوق وجناتي طفيح/ وسقاني البين كاسات الغبون"
السلام عليك يا ابا تركي، يا جد وعم وخال كل عربي شريف يرى الخلاص في المواجهة والبندقية.