"قافلة العطش" لسناء الشعلان مفاھیم حداثویة عن الحبّ ومنھا ما قتل! .. بقلم عبد الجبار نوري

جوهرة العرب - عبد الجبار نوري

مجموعة "قافلة العطش" مجموعة قصصیة للدكتورة سناء كامل الشعلان ، صدرت في العام 2006 عن مؤسسة الوراق ، وفي تلك المجموعة القصصیة 16 قصة قصیرة ، یكون السرد اللغوي فیھا راقیاً ومنسّقاً في سردیات ثیمات الأسطورة والخرافة والحكایة الشعبیة ، تختزل فیھ اللاواقع لتبدلھُ بالواقع ، وترسم من خلال ھذه المجموعة القصصیة السعادة بأرقى معانیھا وترسم الحزن بأبشع مآسیھ ، وتعري الواقع المریر بكل جرأة ، وتعبر عن آرائھا بطریقتھا الخاصة عبر شعور أنثوي حساس تجاه العالم ، وتبین عبثیة الحیاة في جغرافیة الصحراء ذات القوانین الصارمة الصادرة بمراسیم مؤلّھة واجبة التنفیذ ، والتي تضع الخطوط الحُمرْ تحت عدوى العشق الصحراوي ، والحب الممنوع ، والأعراف القبلیة المشرعنة بإرادة الآلھة تأمرك أن تعیش الجفاف على رمالٍ تبتلع الدموع وعرق حمى الیأس والاستلاب كالثقوب السوداء ، ولم یبقَ في ثمالة الكأس سوى الفراق المأساوي التراجیدي بوأد عاشقات الحیاة ، —- رباه —- ما العمل ؟؟ صدق شاعر الیاسمین نزار قباني وھو یقول : "لبسنا ثوب الحضارة والروح جاھلیة".

والمجموعة القصصیة تحمل في طیاتھا الحب الطاھر والمعذّب والممنوع ، وتسلفنھا القاصة العملاقة والمبدعة والأكثر من رائعة (بأنسنتھا ) الأممیة ومشاعرھا النبیلة تجاه السلم العالمي ، وعبرت في قافلة العطش عن الحب المحرم وعن وأد الحب والحیاة ، فالحب في نظرھا مؤطر بمفاھیم حداثویة معولمة بعیدة من أعین الرقیب الذي یقطع بمقصھ التعسفي والاستلابي ، وتحاول جاھدة المقاربة من سلطة الخیر والجمال لأنھُ حبٌ غریب الأطوار ، حب مجنون ، بید أنھُ مستساغ ومقبول عند المتلقي وأولھم (كاتب المقالة) ، في زیارتي الأخیرة لعمان أقتنیت نسختین من الكتاب ( قافلة العطش) باللغة الانكلیزیة وأخرى بالعربیة ، وبصراحة شعرتُ بسعادة غامرة تلذذتْ بھا نفسي الأمارة بالعشق وكأني أحد رجال القافلة المعذبة والمستلبة ، وعایشتُ معاناة وفوبیا المخبر السري وسیطرات رئیس القبیلة المتوحش ورحلة العذاب الطویلة التي أولھا في بغداد ونھایاتھا في المنافي وحینھا قلتُ لنفسي — قف یا رجل لقد قاربت السبعین ، أرمي ذكریات الثلاثین في البحر المیت وأحتفظ بالروایة لعلك تعتنق مذھبھا في العشق الصوفي وتؤدي طقوسھا النقیّة والمجردة من الأنا.

وللروائیة المتمیّزة 46 مؤلفاً منشوراً ، ونالت 55 جائزة محلیة وعربیة في حقول الروایة والقصة والمسرح وأدب الأطفال ، وھي الشخصیة المؤثرة رقم 19 في الأردن ، فازت بھا في مسابقة أكثر من 50 شخصیة مؤثرة في الأدب والتراث والبحوث الإنسانیة والتي أجرتھا منظمة (تحالف

اتحاد منظمات التدریب الأردنیة)

أسلوب الدكتورة سناء الشعلان الأدبي والنثري واللغوي

انفردت عن المألوف بإعطاء المرأة دوراً ریادیاً في جمیع روایاتھا ھادفة لصنع ھویة أنثویة جدیدة لیس تحیزاً لجنسھا بل لرفع مكانتھا ، وتحدیاً للذكوریة المجتمعیة السائدة عبر التأریخ وإلى الیوم ، وخالفت العرف السائد عند كتاب القصص القصیرة بالذات غالباً ما یحجبون دور البطولةعنھا ، وحتى یستكثرون علیھا كوتة سانت لیغو الفرنسي في الانتخابات.

–سیمیائیة العنوان في قافلة العطش تحمل كل مفردات السیمیاء التي ھي أداة لقراءة السلوك البشري في مظاھره المختلفة بداً من الانفعالات مروراً بالطقوس الاجتماعیة والانتھاء عند الآیدیولوجیات ، وكونھا العلم العام والنشاط المعرفي لھا علاقة باللسانیات والفلسفة والمنطق وعلم النفس والأنثروبولوجیا ولأنّ العنوان ھو ھویة وممثل النص والمدخل الذي یحتاجھُ القارئ لاقتحام سردیات المضمون ، فالإحساس الصادق عند الروائیة المبدعة سناء الشعلان ھي أستاذتنا في تعلیمنا {العنوان یأخذ الأولویة لدى المتلقي } ، لذا تألقت المبدعة الأصیلة الدكتورة سناء الشعلان في أن تجعل لمجموعاتھا القصصیة رقما مھماً تحت خیمة العنوان ، في قافلة العطش واستیعاب معطیاتھا السیمیائیة على نحوٍ ما.

–المیل الواضح إلى الحداثة والتجریب ، وبلغة جمیلة مصقولة مؤطرة بالتھذیب والتشذیب ، فیھا جوانب أسلوبیة مسجلة بشخصنة لغة سناء الشعلان فقط ، والتي فیھا السھل الممتنع ، و ھي المجدة والمجتھدة في صیاغة أناقة اللغة العربیة ، وان لغتھا الأدبیة مستمدة من أفكارھا الثوریة

، وتراكماتھا المعرفیة الثرة ، وھي تجمع بین تقالید سردیات القصة والحداثة والعولمة.

–التنویع في النص السردي في مزج الخیال والفنتازیا بالحقائق والجمع بین الغیبیة والواقع ، ویتمیز النص بخصوصیة المضمون المتصل بعلاقات الزمكنة بین الشرق والغرب ، والعنوان عندھا یعبر عن واقعیة القصة ، فالصراع بین الضعیف والقوي وبین الغث والسمین وبین الخصب والجدب وبین الموحش والأمان وبین الاستسلام والثورة.

–العطش یعني حرمان المرأة من عالمھا الخاص ، فتمكنتْ الكاتبة العملاقة والمبدعة من تمریر سردیات الروایة ومحاكاتھا حقیقة وعلناً بواسطة الرجل والمرأة ، وأن رمزیة العطش لیس للماء بل العطش إلى الحب ، وما یتعلق بھِ من استلاب ، ورفض سیادة السلطة الذكوریة .

–تعتمد الأسطوریة في غالب روایاتھا ، أوغلت في الواقعیة السحریة ، وتعمل على تكثیف القصة وسردھا باختصار عاجل كي تنتقل إلى قصة أخرى متقمصة شخصیة شھرزاد الأنثویة الساحرة الممنوعة من الحب واللمس ، لتنقل القارئ والمتلقي إلى حدثٍ آخر وآخر حتى تقزّمْ زمن الجمھور بحسابات النظریة النسبیة " مجالسة الحبیب لعشرین ساعة تختصرھا الروائیة البارعة سناء الشعلان بثواني ، لأنھا تنظر للحیاة من خلال نوافذ الروایة العدیدة للقصة ، والمطلّة مباشرة على الجمھور ، وتعبّر في كینونة نصوص السرد الروائي القصصي لروایتھا" قافلة العطش " الظمأ والأرتواء والحیاة والموت في تجلیات معاناة الإنسان المحروم من الحب والاستمتاع بھِ في جغرافیة الشرق العربي المؤدلج بوأد الحیاة لإشباع غرور الذكوریة المتغطرسة السائرة لارتداء جلباب الربوبیة .

–وأن لغتھا الأدبیة مستمدة من أفكارھا الثوریة وتراكماتھا المعرفیة الثرة ، وفلسفتھا السردیة ترتكز على (كل شيء أو العدم)تستعمل كمحرك دراماتیكي توزّع ذبذباتھا لشخوص الروایة ، والكل عطشى حد الجفاف فیھِ الحب عاجزاً وحیداً مفجعاً ، وحتى الرومانسیة الھلامیة مغیّبة ، وكل الأحاسیس والمشاعر والدفيء والعطاء والخصب مغیباً على بعد ملیون سنة ضوئیة ربما في درب التبانة .

–الأنسنة في روایاتھا تبدو واضحة وجلیة وتفرض وجودھا على المتلقي في حب الخیر لبني البشر وعدم إلغاء الآخر ، وإرجاع الحقوق المستلبة من الشعوب المضطھدة ومنھا الشعب الفلسطیني ، وكأنھا تصوّر بآلة كامیرا صور حیّة ورؤیة فكریة وسیلتھا سحر اللغة.

أخیراً/ كل المجد للدكتورة الفاضلة والمتألقة د. سناء الشعلان في سماء الذاكرة الأدبیة والثقافیة العربیة والعالمیة ، ومن خلال ھذا البحث المتواضع الذي لم أفي بجزءٍ من بحرھا اللجي وثقافتھا الرصینة والھادفة ، أمنیاتي لھا في تحقیق الأمنیة الوطنیة في تحریر شعبنا الفلسطیني وتكریس السلام العالمي لجمیع الشعوب المقھورة .