اكثر من اربعين يوما على مضي سجننا القسري الطوعي الوقائي، اكثر من اربعين يوما على ايام عصيبة، تعلمنا بها كيف يكون الصبر الجميل..
هي ايام تعملنا بها كيف نتقاسم الرغيف، وكيف نحافظ بها على آخر حبة أرز وبقايا طعام..
هي أيام ودعنا بها جمال المظهر، بحثا عما تبقى فينا من جمال الجوهر، ابتعدنا عن عطر وأناقة هندام، لنقترب من رائحة اولادنا وأناقة تفكيرهم وعقولهم، اهملنا تسريح الشعر، لنسرح في عظة وفكرة كيف نتحول بقدرة الله من أحرار لمسجونين، شئنا أم ابينا..
هي أيام، تخلينا بها عن قشور، أزلنا طلاء الاظافر، وبقايا الكحل، واحمر الشفاه، لاننا اكتشفنا اننا اجمل على الحقيقة، واقرب لارواحنا، واكثر التصاقا مع واقعنا، وتقبلا لاشكالنا حتى لو أن بها ملامحا لا تعجبنا..
وغير ذلك، لمن الكحل؟، والعين تدمع على فقراء بلا قوت، وعلى مياومين بلا رزق، وعلى أرامل وايتام بلا سند، وعلى اوطان مجاورة تحترق على إثر ثورة جياع، ثورة تتأجج كلما طلب اشتد جوع طفل لحليبه، وكلما احتاجت سيدة مسنة لدوائها المسكن لاوجاع لا يعرف بها الا الله، ولخريج جامعي لا يملك مصروفه ولا وظيفة لديه، ويخجل طلب ثمن ولو (علبة سجائر) من اهله العاجزين عن تأمين الخبز..
لمن المساحيق؟، وملامح وجوه النساء المعنفات، تفترش فضاءات الصرخة والشكوى، من ضرب وركل وتعذيب واتهامات زور بشرف وسمعة، و(ياما بالقتل مظلومات)..
لمن الثياب الجميلة؟، وقبح الفساد مستمر، وقبح الشللية مستعر، وقبح التسلق مزدهر، وقبح المحسوبية متأصل، لمن الثياب الجميلة، وهم يلبسون ثيابا طرزت بعرق ثيابنا المرقعة، وجيوبنا الفارغة، واقمشتنا الرثة..
ورغم ذلك، لن اكسر قلم الكحل، سيبقى ينتظرني أعيد رسم ملمح العين ، لتغدو، أجمل طالما ظلت عتمة الوقت، وطالما ظل العالم بلونه أشد اسودادا من كحل الليل.
لي، ولكن انتن، كل الكحل وجميل الثياب، وستفتح ابوابنا، مرة جديدة على شمس الاحباب والاصحاب، وستعود ضحكاتنا تجلجل المكان، وتقهر الوقت الضائع، وتصنع بدلا عنه سعادة من ابسط التفاصيل، بلا مساحيق واقنعة، فقط بقلم كحل بسيط، نعيد جلسات بسيطة، قوامها فنجان قهوة وصديق صدوق وما تيسر من طعام، وطيب كلمات وفرحة حقيقية من القلب للقلب وبالقلب.