رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

إلى عظيم الفيس بوك وتويتر .. بقلم الدكتورة انتصار الزيود

إلى عظيم الفيس بوك وتويتر .. بقلم الدكتورة  انتصار الزيود
جوهرة العرب -  د. انتصار الزيود

أحيطكم علماً بأن مملكتكم الافتراضية هذه قد وقعنا في فخ متاهاتها، ودبت روح الخلافات بين أبناء الأوطان الذين تجمعهم وحدة الدين واللغة والعادات والقيم، وكدنا أن نفقد  ملامحنا العروبية التي اختطفها عالمك ومملكتك المزعومة، وها نحن الآن نتذوق مرارة الفرقة التي مزقت أوصال عروبتنا، وبات البعض منا كالصياد الذي ينتظر فريسته وينقض عليها على حين غرةً، ويتقول عليها ما استعجمت القواميس عن تفسيره.
ولتعلم أنت وحاشيتك الافتراضية، أننا بفعل عالمك هذا، الذي فتحته على مصراعيه لكل شخص فينا أن يدلو فيه بدلوه، حتى لو كانت ماء البئر خمطة وسيئة، فنحن قوم تفرقنا تغريدة من طائرك " التويتر" الذي يتلقى جميع الرسائل المبهمة ويغرد بها، ويلقيها على أسماعنا بصوت يشبه نعيق الغربان، وألقت بنا منشورات مواقع التواصل الاجتماعي في نار فتنة لا تنطفئ بل يزداد جمرها كل ثانية بلمسة من اصبع على جهاز لوحي، وقع بين يدي صنوف مختلفة من البشر لا تعرف ما الذي يدور في فضاء فكرها.
ولن أخفي عليك يا عظيم الفيس بوك وتويتر، بأنه رغم أننا تجمعنا أخوة الدم، عندما يحاول البعض منا أن يصلح الحال بعد حوارات عنيفة على تلك المواقع التي يكثر فيها الجدل والهرج، يقوم بجمعنا في مباراة ودية لكرة القدم، فتصيبنا حالة من فقدان السيطرة وحماس قاتل، نفتح بعده صفحة خلاف جديدة  نظيفها على القائمة الموجودة.
سيدي عالمك العظيم ومملكتك الكبيرة هذه، تحوي الخبيث والطيب، والجميل والبشع، والعميق والسطحي، والعابد والملحد، والضعيف والقوي، كلهم يسبحون في بحرك الذي منعت فيه تواجد قوارب للنجاة، إلا أن الرهان على المارد العربي الذي يحاول بلوغ النجاة ويحرر نفسه من بين فكي عالمك الافتراضي هذا، ويعيد ترتيب أولوياته إلى حيث يكون في مأمن من الغرق، لأنك وضعته في زجاجة وألقيتها في أعماق بحرك، إلا أنه يستطيع في أية لحظة أن يجذب الهواء بطرقه الخاصة إلى تلك الزجاجة التي انزوى بها، وصنع لنفسه حبل سري يتنفس ويتغذى منه، فالأمل كبير والرهان لا زال قائماً لأن يخرج ويسبح إلى بر الأمان، وأن يحافظ على هويتنا بملامحها الأصلية، وأن ننهل من بحرك ما ينفعنا ويبني جيلاً قوياً بفكر مستنير، يعرف ما له وما عليه، وأن يسلك مسالك الخير، ويتقدم بخطوات ثابتة لمستقبل مشرق بعقل متفتح وواع لما يدور حوله، ويحجز لنفسه مكاناً في المقدمة وتكون كلمته مسموعة وانجازه مرئي، ولأن القادم يحتاج للأقوياء، فأن رص الصفوف وتوحيد الجهود العربية، واستثمار العقول في عملية البناء والمشاركة في مختلف مجالات المعرفة والإنتاج والإبداعات المتنوعة، هو أسلم طريق لصناعة واقع بقيم حقيقة وليست افتراضية بعيدة عن الإشكاليات في عالم أصبح بؤرة للنزاع والمشاحنات.