رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

أم هارون .. مسلسل يبرر للصهاينة ويتعاطف مع اليهود .. بقلم بدر الأستاد

أم هارون .. مسلسل يبرر للصهاينة ويتعاطف مع اليهود .. بقلم بدر الأستاد
جوهرة العرب - بدر الأستاد / نقد وأدب مسرحي

عرض في شهر رمضان المبارك مسلسل أم هارون للكاتبين البحرينيين علي شمس ومحمد شمس، ومن إخراج المخرج المصري محمد سامي العدل ،هذا العمل الذي هاجمه الكثيرون من قبل عرضه على شاشة أم بي سي حيث وصفه البعض بأنه يروج لفكرة التطبيع مع إسرائيل.
بعد مشاهدتنا للعمل نلاحظ أولا أنه اهتم بتصوير الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام من خلال المعتقدات الدينية الخاصة بالشخصيات ، ولكن أبرز شخصية هي أم هارون المرأة اليهودية التي تزوجت بمن تحب وأسلمت من أجله ثم أصبح أهلها يطارودونها إلى أن قتلوا زوجها.
وقد كانت شخصية ام هارون أكثر شخصية في العمل متسامحة مع جميع الأديان فهي الشخصية التي كانت الحضن الدافئ للفريج، ولكن نلاحظ أيضا أنها ورغم إسلامها لم تغير من قناعاتها اليهودية، حيث ما زالت معتقداتها اليهودية راسخة في عقليتها حتى من خلال تصرفاتها وشكلها، على سبيل المثال عدم تغيير لون شعرها كما كانت تفعل النساء في السابق باستخدام الحناء، بل ظلت تحافظ على لون شعرها الأبيض لأن الديانة اليهودية تحرم تغيير اللون، أيضا ظلت تحافظ على ملابسها التي تختلف عن جميع نساء الفريج، وهي ملابس تؤكد ديانتها أيضا، بحيث تختلف عن النساء المسلمات مثل هند وأم محمد وغيرهم من النساء المسلمات اللاتي كن يرتدين البوشية والعباية والشيلة.
حتى في المنزل هناك ما يشير لديانتها الأصلية، حيث نلاحظ وجود إطار بجانب الباب مصنوع من القش بداخله خط مستقيم باللون الأحمر البارز نجده أقرب إلى الخط الذي كان موجودا عند باب الحاخام الذي كان يقبله عند الخروج كطقوس دينية يهودية.
بالتالي فإن تصرفات الشخصية عكس ما تعلن عنه، وأكبر دليل أننا نجد في معظم المشاهد كل الشخصيات - باختلاف دياناتهم - تقرأ أو ترتل الصلوات الخاصة بها، ولكن لم نجد أم هارون ترتل أي من الصلوات إطلاقا. وكأن المسلسل كتب بالكامل عن شخصية يهودية وبعد ذلك قرروا فجأة أن يجعلوها تسلم، فلم يغيروا أي شيء من تصرفاتها أو قناعاتها، أو أن المسلسل أراد أن يقول لنا بأن اليهودي يظل يهوديا حتى لو أسلم!؟
أما على مستوى الشخصية، فكانت أم هارون الشخصية المقربة لجميع أهل الفريج ، التي تعرف جميع الأسرار والخبايا، ولو لاحظنا نجد أنها تمثل السياسة الصهيونية البحتة، التي تبدو في الظاهر شخصية طيبة ومسالمة وتدعي المحبة والسلام، لكنها كما نقول بالكويتي (من تحت لي تحت) ، فقد كانت بداية الشرارة للمشكلة في بيت الحاخام داوود والملا عبدالسلام عندما جعلت راحيل ومحمد يختبئون في منزلها حتى هربوا إلى إحدى الدول المجاورة وتزوجوا، كما نجد أنها السبب الأول حين سكتت عن حقيقة أم زنوبة فترة زمنية طويلة ، ولكن قررت أن تفصح عنها في وقت كانت فيه عليا قد علمت الحقيقة وتفكر في اخذ الثأر. وهكذا حين طالبت ابنها بأخذ حقوقة ، كما كانت تستغل خوف أبو سعيد حين كانت تخبره بأن ابنها سيأخذ كل حقوقة ،فيتزايد الخوف ويبدأ بالتفكير في التخلص منه. وهنا نتساءل هل الشر يجسد عن طريق تعابير الوجهه فقط وليس في النوايا ..؟؟
مبررات الصهاينة!؟
أيضا يحاول أن يقدم لنا هذا العمل الفرق ما بين اليهود والصهيانة من خلال شخصية الحاخام داوود وعزرا ،فالاول رجل يهودي والاخر صهيوني ولكن سرعان ما تحول الحاخام إلى الفكر الصهيوني بحجة التفرقة التي كان يعاني منها وهذا ما يؤكده حوار ابنته رفقة حين وضعت في نهاية الحلقات الزجاج على المسجد وبررت ذلك بأن هذا نتيجة الاستياء الذي ولد لديها الرغبة في الانتقام ، وهنا نلاحظ أن المسلسل يهدف إلى تعاطف الجمهور مع هذه الشخصيات ومع مبرراتهم، وبالفعل الكثير من الناس تعاطفت مع رفقة وعزرا. في حين أن المسلسل لم يصور لنا الوحشية التي عرفت عن الصهاينة ، ولم يهتم بعرض مشاهد العنف عند احتلال الاراضي المقدسة ..؟؟ فما المقصود هنا ..؟؟ فإذا كان المخرج يرى بأن القضية الفلسيطينية مكررة ولم يهتم بعرضها فهذه تعتبر طامة كبرى ..؟؟ لان المسلسل تاريخي وعلى المخرج والمؤلف أن ينقلا التاريخ كما هو..!!
بالإضافة لتلك المبررات التي يرغب المسلسل أن يوصلها للمشاهد، ويجعلهم يتعاطفون مع الصهاينة ، هناك مبررات أخرى عقائدية، حيث تكرر الترويج لمعتقدهم في الارض الموعودة، وكأنه تبرير لاحتلال الصهاينة للأراضي الفلسطينية، وهذا المبرر الذي كان يحرك كل الشخصيات الصهيونية.
في نهاية الحلقات نجد بأن هدف داوود قد تحقق وهو ذهابه إلى إسرائيل ولكن دون أي عقاب فربما ذهب إلى حياة افضل دون ان ترد له اي اساءه، عكس ما شهدناه بالنسبة للشخصيات الأخرى، حيث دارت الدنيا على أبوسعيد وهند الذي حرقوا كما كانوا هم السبب الرئيسي في حرق ام زنوبة .

ضعف في الأحداث وقوة في الأداء
أما من ناحيه الفنيه نلاحظ تكرار المشاهد التي  كانت احدى أسباب الملل الذي شعرنا به، فطوال الوقت هناك تكرار لدخول وخروج الشخصيات من وإلى المنازل ، حيث تمر الحلقات أحيانا بلا أحداث أساسية، كما تكررت طوال الحلقات الثيمة الرئيسية  ، وهي الحب والاختلاف في الاديان والرغبة في الانتقام مما أدى إلى الملل عند المتلقي بسبب عدم التجديد في الأحداث وغياب عنصر التشويق.
على مستوى الشخصيات كانت معظمها مترابطة فجميعها تكمل الآخر ، إلا أن شخصية الفنانة هيا عبدالسلام التي قد اعتبرها البعض كشخصية الراوي ، لم يكن لها أي مبرر درامي ،فلو حذفنا هذه الشخصية لن يغير أي شيء من مجرى الأحداث.
اما عن الفنان السعودي عبدالمحسن النمر الذي حقيقة تميز من خلال دوره في شخصية الحاخام داوود حيث انتقل من تجسيد شخصية الرجل البدوي الذي تكرر في السابق، إلى شخصية مختلفة تماما. وقد كان مشهد المعبد حين أراد أن يتخلص من ابنتة رحيل عن طريق حرقها بعد اصرارها بالزواج من محمد ،هذا المشهد الذي كان يعتبر صامتا إلا أنه أبدع في أدائه حيث الصراع بين مشاعر الأبوة والدين أي العاطفة والعقل وعلى الرغم بأنه لم ينطق بأي حوار إلا أنه كان مشهدا معبرا وهذا يؤكد على أن الفن ليس بالصراخ كما يحدث في الكثير من المسلسلات، بل على العكس فلغة الجسد هي التي تتفوق في النهاية.
وعلى مستوى الأداء النسائي، نجد الأداء الجامد لدى فاطمة الصفي التي جسدت شخصية مريم الفتاة المسيحية ، حيث التمثيل لديها من خلال لغة الحوار كما هو موجود في الأعمال الإذاعية ، وهو أمر متكرر في معظم أعمالها حيث تعابير وجها ثابتة وكأنها تروي ما حفظته من الحوارات، وطوال الثلاثون حلقة لم أتأثر بأدائها إطلاقا ، وهو أمر غريب كونها تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج المسرحي!
الأمر يتكرر مع الممثلة روان المهدي التي جسدت دور رحيل، والتي كانت تعيش قصة حب مع شخصية محمد والذي كان يؤدي دوره الفنان محمد العلوي، فقد كان أداءهما يوحي بأننا نشاهد فلم عربي قديم بالأبيض والأسود، كان هناك برود واضح في الأداء، وهناك مشهد آخر غير منطقي ، وهو مشهد نقل الدم، فكيف لم يتم تطابق فصيلة دم محمد مع والده ووالدته، وتطابقت فصيلته مع  فصيلة دم رحيل !؟ الاستخفاف في عقلية المشاهد كارثه لا تغتفر..!!
أما الشخصية الرئيسية أم هارون، والتي أدتها الفنانة القديرة حياة الفهد وهي إحدى أهم الفنانات في الخليج ، فقد شاهدنا قدرتها العالية في تجسيد الشخصية بصدق ، حيث استطاعت أن تجعل المتلقي يتعاطف مع شخصيتها دون أن يرى النوايا من وراء هذه الشخصية، وبالتالي تم الاستفادة من  قدرتها العالية في تحريك مشاعر المشاهدين في التأثير عليهم وهنا كانت الخطورة من وجهة نظري، حيث أن أداء فنانة محبوبة لشخصية من هذا النوع يجعل تأثيرها كبير على المتلقي.
انتهى المسلسل ولكن ظلت التساؤلات، حول التطبيع، من خلال شخصية يهودية كانت هي الوحيدة التي تساعد الجميع في مجتمع تم تصويره على أنه سيء بجميع أطيافه ودياناته، كما أن المبررات التي وضعها المسلسل للصهاينة تجعلنا نتساءل عن نوايا المسلسل الحقيقية!