رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

قصائد بلا عنوان .. من كلمات المغفور له الشاعر سليمان المشّيني

قصائد بلا عنوان .. من كلمات المغفور له الشاعر سليمان المشّيني
جوهرة العرب - الشاعر سليمان المشّيني

في عصرٍ ضَلَّ كهذا العصرْ ..
فيه المُثُل العُليا ذُبِحَتْ .. وانتصرَ الشرّْ
والليل بقبضته قد طوّق عنق الفجرْ
وغدا بيد الأَفّاق .. مصيرُ الحُرّْ

ما أروع صمتَ الإنسانْ
فَلْيُسْجَنْ في حلق الأُدباء كلّ لسانْ
وَلْتُقْفَل أبواب السّجانْ

فالصّمت الصّمتْ
الصّمت رسول الفكرْ
وعتاد العزم .. مثال الصّبرْ
وَبِعُرْف الواعي أبلغ ردّْ
الصّمت حسام ماضي الحدّْ
ويُقال الصّمت دليل الجِدْ
وكثيراً ما كان سبيلَ الشّعبْ
لِسَحْقِ القَيْدْ

يا مَن أحضر أقلاماً ومِدادْ
قل لي بالله لمن هذا
أَتثير جمادْ؟
ولمن تحكي .. أَتَهزّ صلادْ؟
هل يُرجى النفخ بتلّ رمادْ

فالمُثُل العُليا قد هُزِمَتْ
والقيم السّاميةُ انْتُهِكَتْ
ومبادي الشرف الكبرى هُدِرَتْ

أسمى أمنية العصر هنا
أن تغدو ثريّاً دون عَنا
وحِسان فاتنة وغنى

أمّا الجُلّى والوطنيّهْ
أو رفعُ لواء القوميَّهْ
والسّعي لدعم الحريّهْ
أَضْحَت في نظر العدد الأعظمْ
شيئاً أسطورياً كالوهمْ
لا ترنو إليها الأبصارُ
لا تحفلُ فيها الأفكارُ
وغدا في نظر حُداة الرّكبْ
مَن صاروا سادة هذا الشّعبْ
لا بُدَّ لتنجح أن تتعبْ
أن تسرق .. تقتلْ
أن تسلِبْ
وتنافق أبداً .. وتُكَذِّبْ

أما الإنسانُ الإِنسانْ
مَن يخدم بالرّوح الأوطانْ
رجعي لا يحظى بمكانْ

ونريد المجد .. نريد النّصرْ
ماذا أعددنا لهذا المجد من العدّهْ
ماذا هيّأْنا في الشِّدّهْ
أعددنا للنصر كثيرا
شعباً مغلوباً مقهورا
في كفّ الأحداث أسيرا
والنّصر نضال وكفاحُ
المجد عَتاد وسلاحُ
خُلقٌ وسُمُوٌّ وصَلاحُ

فالصّمتَ الصّمتْ
فَلَعَلّ الصّمتَ يهزّ الأُمّهْ
ويشدّ العزم ويذكي الهمّهْ
فتزولَ عن الآفاق الظُّلْمَهْ
***
لو مات صلاح الدين اليومْ
وصلاح الدّين كما نعلمْ
قطب التّحرير أبو الأبطالْ
خاض الأهوال محا الإذلالْ
وأزال عن القدس الأهوالْ
بصمود ومَضاء ودماءْ
ونضال وتفان وفداءْ
وكفاح جَلَّ عن الإِحصاءْ
فأعاد التّاريخ الغابرْ
بالعزم وصمصامٍ باترْ
وارتد بحطين الغادرْ
فصحا الماضي من غفوتهِ
وتغنّى الدّهر بوثبتهِ
والخلد أَشاد بعزمتهِ

لو مات صلاح الدين اليومْ
وصلاح الدّين كما نعلمْ
فخر الأجيال ورمز المجدْ
لم يخشَ الموت .. وفى بالعهدْ
وأعاد الأقصى لنا والمهدْ
لَنْ يُكتَبَ في صُحُف اسمُهْ
أو يُنشَرَ في كُتُبٍ رسمُهْ
لا يعرف أحدٌ ما علمهْ
ولهذا لن تُنشَر أخبارْ
ويظل تَغَيُّبُ ذا المغوارْ
سراً مدفوناً في الأسرارْ
فصلاح الدّين الأيّوبي
لا يملك فيلاّ في باريسْ
لا يملك أيّ رصيد فلوسْ
والنّعي اليومَ كما نعلم
يحتاج لأرصدة ونقودْ
بالفِلس تصير أَجَلَّ فقيدْ
إِدْفَعْ تُمْدَح تمسي محمودْ!

لو مات صلاح الدين اليومْ
وصلاح الدّين كما نعلمْ
شاد العَليا هزّ الأكوانْ
ببطولته داس الطّغيانْ
وأَعاد العِزّةَ إِثْرَ هَوانْ
لكن صلاح الدين الحُرّْ
ما خَلَّفَ أَطْياناً أو قَصْرْ
لم يملك حتى ثمن القبرْ

ولهذا .. لا أحدٌ يبكيهْ
قَسَماً لَنْ يَلْقى مَنْ يَرْثيهْ

بالأمس مضى دون مآبِ
مصّاص دماء ومُرابي
لا يعرف ما معنى الرّحمهْ
لا يملك قلباً أو ذِمّهْ

لم يرضَ سوى دربِ الأشرارْ
كم شرّدَ أيتاماً وصِغارْ
كم صادرَ مِن مُلك وعَقارْ
يتغنّى الشّعب بذكراهُ
ويشيد الحرف بمعناهُ
ويعدّد نبل سجاياهُ

والكلّ يردّد في أَلَمِ
خَسِرَتْ بلدي رمز الكرمِ
والموت طوى ربّ النِّعَمِ
معروفاً في صلة الرَّحِمِ

مَن كان ملاذاً للأيتامْ!
ومنارة معروف وسلامْ!
عن فِعلِ الجُلّى ليسَ ينام!

والنّاس عيون منكسرهْ
والكلّ دموع منهمرهْ
تبكي بقلوب منفطرهْ
الله الله
أيموت مُرابينا الإنسان
أَيَغيب البِرّ عن الأوطان
الخَطب يجلّ عن التّبيان
حمداً لله الرّحمنِ
المجد لربّ الأكوانِ
الأَحَد الصَّمَد الديّانِ

إن مات صلاح الدين .. قضى
وإلى لُقْيا باريهِ .. مَضى

لم يشهد دنيا الأوهامِ
ويرى ألوان الأسقامِ
تتنازع واقعنا الدّامي

لم يبصر كيف تهون النّفسْ
وتُباع المُثُل بثمن بَخْسْ
سعياً ولهاثاً خلف الفلسْ
لم يشهد مولد عصر الرِّقْ
ويواكب كيف يضيع الحقْ
وتُقَوَّض كلّ مبادي الخُلْقْ

أو كيف يقاوم كلّ كبيرْ
ويموت ببطء خفق ضميرْ
ويتيه ويعلو كل صغيرْ

***
إن ترضى برأيي .. لا تَعْتَبْ
وصنوف الغربة .. لا ترهبْ
ما أنتَ بأوّل مَنْ يُصْلَبْ
أو أوّل حُرّ يتعذّبْ

دنيانا ما كانت دوماً
رِفدَ الأبرارْ
كم لاقى مِن ضيقٍ فيها
رُسل الهَدي السامي الأبرارْ
فكأنّ العالم لا يهوى
إلا الأشرارْ

مَن لا إِحساس لهم
أو بعض مُثُلْ
مَن شرعتهم في ذي الدّنيا
خَنْق الحريّة .. درب القتلْ
جلمود حِسّهم أبدا
مِن صخر جُبِلْ

والحِكمة لا ندري ما الحكمهْ؟
في شدّة سطوة سيف الظُّلْمهْ
لا ندري لماذا يظل السّوط
بأيدي الشر
ويلاقي الصّعبَ ومُرَّ العيش
المرءُ البَرْ
كَمْ يشقى الطَّيب
كم يتعذّب أهل الخير

لا نعلم سرّ بقاء عصا بيد الطّغيانْ
ولماذا لا يَفْنى إِفك الشّيطانْ
ويعيش ويحيا بسلام هذا الإنسانْ

السرّ عظيم لا يقوى
عقل الإنسان وتفكيره
إدراكَ الحكمة فيما يشاء
الله تعالى .. وتدبيرَه
هذا لغز أبدي كم
هزّ البشريّةَ تفسيرُه

لكن بصيصاً مِن نور
ينساب من الكون المطلق
يتسرّب للنفس رُخاء
كَتَسَرُّبِ أضواء من شرقْ
فتُنير كوى الفكر المغلق
للمعنى الكامن خلف الخَلْقْ

فالدّنيا بلا معنى سام
تبقى مجموعةَ أوهامِ
والعمر .. هباءٌ إِنْ عِشْنا
في مَنْأى عن بَذْلٍ وصراعْ
والعُمر سُدى إِنْ لم نرفع
في وجه الرّيح عظيم شِراعْ

فانْهَضْ يا حُرُّ إلى السّاحِ
وَتَصَدَّ لِعَظيمِ رِياحِ
إيذاناً بشروق صباحِ
فاعلنها حرباً لِصَلاحِ
فتُحِسَّ بفرحٍ ربّاني
لأداء الواجب بِتَفانِ
لإزالة صرح الطّغيانِ
إِدراكاً للمعنى الأسمى
لحقيقة خَلْقِ الإنسانِ

فاثْبتْ يا صاح ولا تهربْ
رابِطْ واصْمدْ .. ناضِلْ وادْأَبْ
واصْبِرْ في السّاح تَحَدَّ الصَّعْبْ
واعلمْ ما حَدَّثَ عنه القَلبْ
أَنْ تبقى قَبَساً وَضّاءً
أو فجرَ رجاءٍ للمُتْعَبْ
أن تشرقَ ومضةَ إيمان
تجتاح الليلَ تنيرُ الدّربْ
أن تحيا في الدنيا عزاءً
كالقطرة في كأس تُسكبْ
نبعاً للظّامىء كي يشربْ
أو نقطة طلّ كالكهرب
أن تحيا رفضاً لضلال
وتكون لظى في وجه الكذبْ
أجدى لكَ مِن مال الدّنيا
أو وضعكَ في أعلى منصِبْ