نعم لضم شجاعة جلالة الملك عبدالله الثاني في التصدي وحيدا، ووسط شبه صمت عربي "غير مستغرب"، أقول نعم لضم شجاعته لسجل مروءة الهاشميين واصرارهم على رفض كل ما من شأنه المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، ومعادلات الامن والسلام..
ونعم لضم مواقف جلالته لأهداب العيون، تلك المواقف التي لم تتغير قيد أنملة، رغم كل الضغوطات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والجيوسياسية، ونقول نعم لتعزيز ضم هذا الملك العقلاني للقلوب الواثقة من صدقه ورؤاه وبُعد نظره، وجلالته يقود بل ويحرك مروحة اتصالات دبلوماسية عربية، اقليمية وعالمية، لينقل للعالم بأسره استشعاره لخطر الاجراءات الاسرائيلية أحادية الجانب على المنطقة، والتي من شأنها تقويض سبل وقيم السلام والاستقرار في المنطقة.
لمن لا يعلم فان "صرعة الضم" الاسرائيلي لغور الاردن وشمال البحر الميت، ليست جديدة، بل تعود لستينييات القرن الماضي، وربما اقدم، وهي في عصرنا الحالي زوبعة في فنجان تنجيم بنيامين نتنياهو، ولكنها تتجدد كلما اشتد التطرف الاسرائيلي، وكلما شعر بالضيق الانتخابي في محاولة فاشلة لاحياء تلك الصرعة، بغية شد العصب والظفر برئاسة حكومة يمينية جديدة، في وقت تقلل عوامل عدة من فرص التنفيذ الفعلي لهذا الاجراء الغاشم، منها ظروف كورونا، وعدم الحسم الامريكي بدعم مطلق وعلني وواضح للخطوة "الناقصة"، فضلا عن انقسام داخل البيت الاسرائيلي بشأنها، ناهيك عن دعوات اممية واوروبية وبرلمانية لثني اسرائيل عن خطوتها هذه، وعلى رأس كل ذلك ونقولها بكل فخر، موقف الاردن المشرف والشامخ برفض مطلق للضم، على الرغم من محاولات التقليل من أثر ذلك الموقف واصدائه على " بلدوزر اسرائيل" الماضي في سياسات القضم والضم منذ 1948 وما تلاها من تعسف واحتلال وظلم وتهجير، وما سبقها من احلام برتوكولات حكماء صهيون..
الا أن الاردن الذي لم ينفصل يوما عن قوميته وعروبته واصالته، لا يأبه بمن لا يعترف بدوره الاخلاقي والديني والوطني حيال القضية الفلسطينية والمقدسات والقدس، ويستمر في اعلاء قيم الحق والسلام والاعتدال، ويقوم بالواجبات الموكولة له، مقسما بالله العظيم، أن يبقى مخلصا لتاريخه ونضالاته ونصره الذي جرع اسرائيل المرارة والانكسار في اللطرون والكرامة، بشهادة العدو الاسرائيلي الذي لم يذق في حقيقة الامر طعم النصر مُذّاك، لماذا؟!، ببساطة، لان الاحتلال بحد ذاته هزيمة، والمريب يكاد يقول "شوفوني مجددا"!..
لا يخفى على أي مراقب أن اسرائيل تتصرف برعونة دائما، فيما تشتد حين تواجه أزمات داخلية، او أي انقسام داخلي، او تململ بين صفوفها حيال قضايا فساد مثلا، فتصدر ازماتها خارج "صندوق دائرة احتلالها"، تارة بقصف غزة، واخرى بحرب على لبنان، وثالثة بطلعات جوية تستهدف مواقع في سورية، ورابعة وخامسة.. ومئة، بعمليات لا تنتهي من القتل والتدمير والتنكيل والارهاب والتصفيات الجسدية لقياديين وغير ذلك من سلوكيات لم تعد مستغربة عليها، وما موضوع الضم، الا واحدا من اشكال تنفسيها عن أزمة حقيقية، لا سيما وان التحضير الاعلامي الاسرائيلي والغربي لموضوع الضم، يوهم بانه كان سيحدث فعليا في الاول من تموز، كما قيل أو اشيع، لكن شيئا من ذلك لم يحدث حتى اللحظة، بل ربما تم التأجيل او الالغاء، من يدري؟، فلعل اسرائيل ادركت ان اثمان تنفيذ الضم باهظة جدا عليها، ولربما راجعت اوراقها من "فوضى محتملة" قد تطالها قبل غيرها، ولربما ادركت ان الظروف وخاصة الدولية منها، لم تعد مواتية لتطلعاتها، وخاصة بعد الفوضى العارمة التي حلت بولايات امريكية بُعيد جريمة عنصرية وبدم بارد طالت امريكيا، الامر الذي اشعل نار الاحتجاجات التي بات اخمادها اولوية امريكية قبل مد يدها لمساندة اسرائيل في تماديها وتطرفها، ولربما يعود الدعم الامريكي لاسرائيل في موضوع الضم قبيل واثناء موعد الانتخابات الرئاسية الامريكية القادمة، من يدري؟
وعلى خطورة موضوع الضم، والتداعيات المحتملة والكارثية له، قد يسأل احدهم، لماذا كل هذا التوجس من الضم، واسرائيل اصلا دولة تحتل ارضا عربية وتضمها بطبيعة الحال " على عينك يا تاجر"، وتضرب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية، وتنفذ على الارض ما يحلو لها دون اي رادع؟، ولماذا تهتمون انتم في الاردن، اكثر من غيركم بموضوع التحذير من الضم، ورفضه؟ والجواب: ان السكوت عن التصعيد الاسرائيلي يجعلها تستمر في غيها وعدوانها وقضمها للاراضي، وتحقيق حلمها في الترانسفير والوطن البديل، وانهاء دولة فلسطين، وموت أمل "حل الدولتين"، ناهيك عن فوضى محتملة واذكاء للتطرف، وضرر ديمغرافي، وجيوسياسي وفرض لمزيد من المستوطنات..