رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

الزميلة إيمان عكور تكتب : تخرج... وكفن..!

الزميلة إيمان عكور تكتب : تخرج... وكفن..!
جوهرة العرب - إيمان عكور

كانت ام الدكتور تحلم بذلك اليوم الذي تزغرد فيه وتتفاخر امام العائلة والمنطقة بابنها الذي اصبح طبيبا بعد عناء سنوات الغربة الطويلة التي امضاها بعيدا عن حضنها..!
كل يوم يمر.. كان الموعد مع الفرحة يقترب
ولاننا في زمن كورونا.. كان عليها ان تؤجل لحظة ضمه على صدرها وشم عطره 14 يوما اضافية زيادة على تلك السنوات الطويلة التي كانت تعدها بالدقائق..!
وصل ابنها الدكتور الوطن.. وبدلا من حضن والدته الذي يشتاق.. كان عليه ان يحجر اسبوعين اخرين..!
_معلش يما.. هانت فتحي عين وغمضي عين بكون عندك..!
_والله يما مو مصدقة.. حاسة حالي راح اموت من قد الفرحة.!
_سلامة قلبك يما.. يا دوب تجهزي لحفلة التخرج اللي وعدتيني فيها..!
_الك يا حبيبي احلى حفلة.. هذا اليوم انتظرته من زمان.. يماااااا شو مشتاقة لابوسك وانيمك بحضني زي ما كنت متعود دايما..!

في ذلك الصباح.. صحيت ام الدكتور من قبل الفجر.. كانت كالطفلة الصغيرة التي تنتظر يوم العيد.. قالت لزوجها يلا خلينا نطلع يا دوب نلحق المشوار من الطفيلة طويل وما بدي ابنا ينتظر كثير..!
_يا مرا الدنيا بعدها بكير.. راح تشوفي ابنك وتشبعي منه.. وتنسيني..!
_معقولة يا ابو الدكتور.. انت عمود البيت وسنده..!
قاموا وصلوا صلاة الفجر.. وحمدا ربهم الذي اكرمهم بتحقيق امنية حياتهم بعودة ابنهم الدكتور بعد طول انتظار..!
شربوا قهوة الصباح..
وبدأت استعدادات رحلة الفرح إلى عمان لإحضار ابنها..
رن الهاتف.. قالت " خير انشالله مين عالصبح"
_يسعدلي صباحك يختي.. شلونك
_هلا يخوي.. خير شو في.!
_خير انشالله.. انا وعدت حبيبي ابن اختي الدكتور اكون باستقباله لما يرجع دكتور.. انا ومرتي .. جهزوا حالكم انا راح امر اخذكم ونطلع عمان سوا..!
نعمله احلى مفاجأة..!
_جاهزة جاهزة يخوي.. لا تتأخر ترا ورانا مشوار طويل..!
اقل من ساعة كانوا جميعا على الطريق الصحراوي..
الفرح كان يرقص داخل السيارة.. واي فرح!!
صاروا يتخيلوا سوا كيف المفاجأة راح تكون لما يشوف خاله ومرته وبنت خاله التي كلن قدرها ان ترافقهم في ذلك المشوار..!
ام الدكتور عيونها تبكي من السعادة.. ودقات القلب تعلو وتعلو وتعلو

_الو يما.. كيف اصبحت.. ترا انا وابوك هينا بالسيارة.. كلها ساعتين بنكون عندك، نمت كويس يما
_ هو انا نمت.. طول الليل بعد الدقايق متى ابوس ايديك وراسك وابوس ايدين ابوي الغالي، صديق العمر..!
_ لو تعرف يما شو طبختلك..!
_شو يما.. ترا مشتاق للقمة من ايديكي البركة
_طبختلك..ال.... 
وفجاة صراااااااااااااااااااخ وضجيج وصرااااااخ ومن ثم صمت قاتل.. الا من دعوات طارت من قلبها إلى السماء..
_يمااااااا.. ياباااااا.. شو صاو.. وينكم.. يماااااا

في تلك اللحظات.. انتهت الحياة
وتحول الفرح إلى وجع ما بعده وجع
شاحنة كبيرة بلا قلب ولا ضمير.. اصطدمت باحلام العائلة وداست عليها وحولتها إلى دم وألم ووجع ورحيل..!
هي ثواني.. تغير طعم الفرح إلى علقم
تحولت تجهيزات حفل التخرج إلى اربع جنازات سوداء..
هي ثواني.. سكت قلب الأم الذي كان يعج باللهفة.. ولكن قبل ان يتوقف عن النبض احتضن وللمرة الاخيرة حلما هو ابنها الدكتور.. وقال له.. يوفقك يما..! ثم صمت من الوجع

الدكتور.. الذي كان كالطفل ينتظر حضن والدته كي يغفو فيه.. سقط مغشيا عليه.. الفاجعة اكبر من  ان يتحملها قلب اي إنسان..
ظن انه السبب.. لو لم يطلب منهم المجيء..!
لو لم يعود إلى الأردن..!
لو كذب عليهم بتاريخ خروجه من الحجر.. وفاجأهم لكانوا احياء الآن..
لو.. لو. لو..
لكنها النهاية.. نهاية الحلم.. وبداية الوجع.. وأي وجع..!!

اربعة اكفان.. هي من احتضنها الدكتور
اربعة اكفان.. هي من قبّلها
اربعة اكفان.. هي هدية التخرج اللعين

وبدل الحلويات والشوكولاته اللي حضرتها ام الدكتور.. راح يتوزع قهوة مرة بطعم الموت..!

دعواتكم للصبية الوحيدة التي نجت من المأساة والتي لا زالت في العناية المركزة حتى اللحظة.. 

كم انت موجع ايها القدر.. حرمتني من حضن امي وابتسامة أبي..وخالي سندي.. وزوجة خالي الحنونة....! 

لو كنت اعلم ان هديتك لي في التخرج ستكون بهذا السواد.. لما فكرت ابدا ان ادرس وابتعد.. لكنت امضيت السنوات الست بحضن امي الدافئ..!

الطريق الصحراوي..  ليس هو طريق الموت
بل نحن المجرمين الذين نزرع الموت بتهورنا..!
آن الاوان لتغليظ عقوبات التهور والاستهتار على ذلك الطريق.. لانه نحن القتلة مش الطريق..!
آن الاوان ان نوقف ذلك القتل اليومي.. وشاحنات الدم التي تتسبب بتلك المآسي 

رحم الله ابناء #الطفيلة الشهداء
وعظم الله اجر الأسرة في مصابها..!

وللتذكير.. وللمصادفة اللعينة
كانوا ثلاثة اصدقاء يدرسون الطب
اخوة اثنين.. تخرج احدهم وعاد قبل اسابيع وترك اخاه الأصغر هناك ليكمل مشوار دراسة الطب.. ومعهم الدكتور البدور الذي المت به المأساة..
ودعهم الأخ والصديق وهو يحسدهم انهم عائدون للوطن وبقي هو هناك..دون ان يعلم انه لن يعود ابدا..! 
ايام قليلة.. وحادث سير في اوكرانيا يودي بحياته.. ليموت وحيدا في الغربة..!
هل هناك اكثر من هذا وجع..!

تنويه..
هذه مجرد بطاقة تعزية للعائلة
وتصور للمشاعر التي كانت بذلك اليوم في قلب الأم والابن..وليس سرد للأحداث 
رحمة الله عليهم.. الله يصبر قلوبهم..
ودعوات الشفاء لرنيم..

 

#الطريق_الصحراوي
_