رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

الدكتورة مجد خليل القبالين تكتب : منظومة إجتماعية دموية.....!!! A bloody social system

الدكتورة مجد خليل القبالين تكتب : منظومة إجتماعية دموية.....!!! A bloody social system
جوهرة العرب - الدكتوره مجد خليل القبالين 
دكتوراه علم إجتماع/ علم الجريمة

لمُناقشة قضية العُنف الأسري لابُد من توضيح اللُبس والغموض المعرفي الحاصل لدى الكثيرون حول مفهوم النظام الأبوي..... 
ما هو النظام الأبوي؟ وكيف يُسيء النظام الأبوي للرجُل والمرأة على حدٍ سواء، مُساهِماً في خلق جيل خاضع مُهان؟؟
وضح إبراهيم الحيدري في كتابه ( النظام الأبوي _ البطريركي وتشكيل الشخصية العربية ) 
من المعروف في المُجتمعات الأبوية -البطريركية، كما في المُجتمعات العربية عموماً ، هو أن العائلة أبوية- ذكورية تعمل على بناء شخصية خاضعة تميل الى الخضوع للكبار والاذعان للعائلة وكذلك للسُلطة عبر تربية أبوية صارمة تُعلّم الافراد الخضوع والطاعة العمياء، حيث يُمثِل الأب القوة والسُلطة والأم والأولاد الطاعة والخضوع. وحينما ينشأ الأولاد يقوم الولد بتقليد الأب ومُحاكاته وأخذ دوره في التسلُط على أخته أولاً ثُم على عائلته بعد الزواج ثانياً ،  وتقوم البنت بتقليد الأُم وأخذ دورها الخاضع والانصياع الى أوامرالذكر ونواهيه. وينتقل التسلُط من العائلة الى العشيرة ومنها الى المدرسة والشارع والدوائر والمصانع والى جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
إن الخضوع وعدم مُخالفة الأوامر تجعل الفرد يُنّفِذ تلك الأوامر بدون أي رفض أو احتجاج. وبذلك يكون الطفل المُطيع " ولداً طيباً يسمع الكلام دائماً ". ولكن عندما يَكْبُر الولد المُطيع ويتكيف مع ضرورات المواقف، تحدث عنده ردود أفعال مُناقِضة ويبدأ بتطوير عدوانية مُكثفة ضد أبيه وضد معلمه وكذلك ضد الموظف والشرطي وغيرهم، كما يضطر ؛ بسبب الخوف والاحترام الزائد للقيم وغيرها، الى كبت هذه العدوانية، التي من الخطر عليه اظهارها، فتتحول بالتدريج الى عامل ديناميكي في بناء شخصيته وتكون لديه قلقاً واضطراباً وتدفعه الى أن يخضع إلى أكثر من جهة، وفي ذات الوقت، تخلق له تحديات وردود أفعال موجهة الى الآخرين وإلى الحياة نفسها بصورة عامة. كما إن ردود الأفعال هذه توثر سلباً على شخصيته وتطور بمرور الزمن سمات جديدة وتُصبِح جُزءاً من شخصيته.
ومن المعروف أن السُلطة الاستبدادية غالباً ما تبحث عن الإنسان الضعيف الخاضع وتحاول تطويع عقله ضماناً لتطويع جسده وتستخدم لذلك آليات مُختلفة من بينها قتل البُعد العقلاني النقدي وتحريفه وتطوير مُسلمات تبريرية، كنظرية المؤامرة والأعداء الجُدد وغيرها لخلق مسوغات تُساعِد على فرض قيود ومُحرمات وعوائق تُقيد الفكر وتصبُ عادات وانظمة جديدة في قوالب جاهزة في البنية الذهنية تقف سداً منيعاً أمام أي مقاومة تُبديها الفئات الاجتماعية المقهورة، التي تُفضي بمرور الوقت إلى تطويع الجسد وإخضاع العقل وإضعاف الإحساس بالمسؤولية ، التي تُسهل عملية الخضوع.
 كمُتخصصة بعلم الإجتماع علم الجريمة ورأيي الشخصي بحالات العُنف الأسري وجرائم القتل المُرتكبة التي شهدناها في الآونة الاخيرة وما أفرزته من مُظاهرات واعتصامات نسائية ترفُض جميع أشكال العُنف الموجهة ضد المرأة  .....
 لا أرى أنه يوجد حاضنة إجتماعية وسلوك إجتماعي مُتزن للمُطالبة بالحقوق المشروعه ، والمُفارقة الغريبة والمُثيرة للدهشة أن الجميع يتفقون على فكرة عدم تعنيف المرأة وإعطائها حقوقها ولكن بنفس الوقت يتنازعون ويتصارعون على نفس الفكرة تلك ، ينقُصنا فهم المفاهيم وتوضيحها وضرورة وجود حوار مُتزن له أهداف على أرض الواقع.
أنا كامرأة مع المُطالبة بالحقوق ومع تكريم المرأة ومع ضرورة إنهاء مُسلسل التعنيف المُستمر الذي تتعرض له ولكن المُطالبة بتلك الحقوق بطريقة تحمل في مضامينها استفزاز للجنس الآخر أو محاولة طمسه وإلغاء وجوده هو بحد ذاته تعنيف لفظي ونفسي مُعلن وعلى الملأ أمر مرفوض وأكاد أجزم أن تلك الشعارات التي تم رفعها في المُظاهرات النسائية الرافضة لكافة أشكال العُنف ضد المرأة تم رفعها في حالة نفسية تتسم بالفوران العاطفي والغضب لمن رفعنها وكتبنها وذلك على خلفية مقتل الشابة أحلام وما سبقها من جرائم قتل موجهة ضد النساء كانت جريمة القتل فيها الحلقة الأخيرة لمُسلسل وتاريخ حافل من العُنف الأسري والضرب الموجه للمرأة.
قد يتعجب البعض من رأيي ويستفز البعض الآخر لما سأذكره في السطور التالية من هذا المقال ، ولكن لأكون مُنصِفة وحيادية وبعيدة عن الانحياز لبنات جنسي أعتقد أنه كان من المُمكن المُطالبة بالحقوق بطريقة أقل إستفزازاً للجنس الآخر  وأكثر مُناسبةً لمُجتمعنا الذي لا يزال غير قادر على فهم  قوامة الرجُل على المرأة ولم يصل لمرحلة الوعي والإدراك لمفهوم النظام الأبوي  فأحياناً طريقة المُطالبة بالحقوق (الغير صحيحة) تجعل المُطالبة بالحق يُساء فهمه ويتم التشكيك بدوافع من يُطالبن به ووضعه في دائرة محاولة التمرُد وإلغاء وجود الطرف الآخر وفي الحقيقة نحنُ لسنا مُضطرين لإلغاء وجود الآخر باختيار أسلوب مُستفز للمُطالبة بالحقوق......
 ولكي أكون واضحة وحيادية ومُنصِفة ومُتصالحه مع نفسي كامرأة النساء هُن أنفُسهن من يُعِدن إنتاج الشخصية الذكورية المُتسلطه أو النظام الأبوي البطريركي منذ مرحلة الطفولة للأبناء والتمييز بين الذكور والإناث ويبدأ هذا التمييز من لحظة ولادة المولود باختيار اللون الأزرق للذكر واللون الوردي للأُنثى ويشمل هذا التمييز المُعاملة والتمييز في التربية ، ومنح الذكر صلاحيات تختلف عن الأنثى ، فالمرأة أيضا عُنصر وشريك فعال يُساهِم في إعادة إنتاج الشخصية الذكورية المُتسلطه والنظام الأبوي البطريركي ، فالمرأة هي شريك أيضاً بجرائم القتل الموجهة ضدها وحالات العُنف التي توجه لها سواءً كان عُنف لفظي أم جسدي من خلال تكوين حاضنة إجتماعية للنظام الأبوي البطريركي المُتسلط.
إنّ حالة الفصام شبه الكامل بين التشريعات الدينية(المُقّدس) من جهة والعُرف العام والعادات والتقاليد(المُدنس)  من جهةٍ أُخرى جعلتنا نصل إلى مُفترق طُرق بين ماتربينا ولا نزال  نتربى عليه وما يجب علينا أن نتخذه كمنهج لنا في أساليب التربية وبناء الأسرة.
  قال الرسول صلى الله عليه وسلم( استوصوا بالنساء خيراً) وهو خطاب بصيغة الأمر  بكلمة استوصوا موجه للرجال كافةً  سواءً كانوا بمكانة الأب أو الزوج أو الاخ  بضرورة تكريم النساء وعدم ظُلمهن ومنحهن حقوقهن كاملة ؛ لأنهُن نصف المُجتمع وهُن اللواتي يلدن النصف الآخر من المُجتمع (الذكر).
الرجُل جدير بالاحترام والتقدير وأنا ولدت من خلال رجل ويوجد في حياتي أب وأخ وعم وخال وابن أخ وابن أخت....
فلنُعيد النظر بطُرق وأساليب مُطالبتنا بالحقوق كي لا نُسقط حقنا بمُطالبتنا بحقوقنا (المشروعه) بسبب سوء اختيار طريقة المُطالبة بتلك الحقوق ولنجعل لنا حاضنة إجتماعية وقانونية وتشريعية تُساعدنا في جعل كلمتنا مسموعه. 
وبهذا الصدد المرأة مطلوب منها ثلاثة وظائف.....
_ أن تعي وتُدرك حقوقها الشرعية والقانونية.
_ أن تعي وتُدرك كيف تُطالب بتلك الحقوق  فلا يكفي فقط ان تعرف حقوقها وتطالب بها بطريقة لا تحمل في مضامينها إلغاء واستبعاد وتهميش الجنس الآخر ؛ لكي تكون كلمتها مسموعه دون التشكيك بدوافع كلمتها ومُطالبتها بتلك الحقوق من خلال اختيار الوسيلة والصيغة المُناسبة.
_ وأن تُعيد النظر بأسلوب التربية ولا تجعل من نفسها عُنصر فعال وشريك في إعادة إنتاج الشخصية الذكورية المُتسلطه والنظام الأبوي البطريركي المُتسلط على حد قول البعض منهُن.......فالشخصية الذكورية المُتسلطه ليست وليدت اللحظة وإنما إحدى أهم أسباب وجودها انحياز المرأة للرجُل منذ نعومة أظافر الرجُل وتعزيز المرأة لهذا النمط من الشخصيات.
فليس هُنالك أسوأ من أن تُصبِح منظومتنا الإجتماعية منظومة...
"ليست على قيد الإنسانية" !!!!.
  • الدكتورة مجد خليل القبالين تكتب : منظومة إجتماعية دموية.....!!! A bloody social system