للكتابة الدرامیة مقومات وأسس فنیة تعتبر أساس البناء المعماري الدرامي، التي لولاھا ما اكتسبت تلك الكتابة صفتھا أي الدرامیة. فلیس كل كلام فیھ حوار بین شخصیتین، أو أكثر، عمل فني درامي جدیر بھذه الصفة. فقد یكون الحوار، كما ھو الشأن في الكلام العادي بین شخصین أو أشخاص، ولا توجد الدرامیة. ھذه الأخیرة، والعمق الدرامي الناتج عن كیفیة نسج الأحداث الدرامیة وبناء الشخصیات، ھما اللذان
یجعلان نصا درامیا ما یندرج في خانة الإبداع، ویكسبانھ الفرادة والتمیز.
ومنذ قراءاتي لنصوص درامیة للكاتب الدرامي/المسرحي عبد الإلھ بنھدار، لاحظت توفر نصوصھ الدرامیة على مقومات الإبداع وعلى رأسھا روح الدراما والعمق الدرامي.
هذه النصوص تكشف، فضلا عن مھارة الكتابة الدرامیة عنده، على تكوین جمع بین الفن، والثقافة، والتاریخ. یتضح كل ھذا في النصین الدرامیین التالیین على سبیل المثال: "عیوط الشاویة" و"الباھیة".
لقد تم تقدیم، من خلال ھذا النص الدرامي الأخیر، صورة عن مغرب نھایة القرن التاسع عشر في قالب درامي انطلاقا من منظور المبدع الدرامي، ولیس منظور المؤرخ، وإن كانت مادة ھذا النص الدرامي الأخیر ھي التاریخ.
إن توفر نصوص عبد الإلھ بنھدار على مقومات الدراما، أي على مقومات الإبداع الدرامي، جعل منھ أحد فرسان الكتابة الدرامیة بالمغرب الیوم. فارس الكتابة الدرامیة عبد الإلھ بنھدار ھو كذاك، لأنھ عالم بأسرار الكتابة الدرامیة وبلاغتھا؛ في كتابتھ الدرامیة/المسرحیة الدلیل على ھذا. والفكرة التي تُقدم في قالب درامي، وأُسُّھ الصراع الدرامي، ھي حصیلة رؤیة ثقافیة خلاصتھا جعل الدراما/المسرح فنا تنویریا.
ھذا النص الدرامي تمت كتابتھ انطلاقا من نص روائي للأدیبة الفلسطینیة الأردنیة سناء الشعلان ھو "أعشقني". من المفید عقد مقارنة بین ھذا النص الروائي منطلق الكتابة الدرامیة ھنا وبین النص الدرامي/المسرحي "البعد الخامس".
ولئن كان ھناك اختلاف بین العنوانین، فإن ھناك رابطا جامعا بینھما إنھ العشق والحب. ولیست ھذه ھي المرة الأولى التي یعد فیھا نصا درامیا انطلاقا من نص سردي.
لنتذكر مسرحیة "النمس"، وھي من إخراج أمین ناسور، والتي أعدھا درامیا عبد الإلھ بنھدار انطلاقا من روایة "ھوت ماروك" لیاسین عدنان.
تم تقسیم ھذا النص الدرامي "البعد الخامس" إلى "ما قبل رفع الستار" ثم المَشاھد.
قدم "ما قبل رفع الستار" مفاتیح مضمون النص. ھذه المفاتیح یمكن اختزالھا في "الحب"، "الإعدام"، "الخراب الإلكتروني"، "التجربة العلمیة".
وھو یتكون من حكایتین، ولكل حكایة مفرداتھا وحقلھا الدلالي الخاص بھا. الحكایة الأولى حكایة حب بین "شمس" و"خالد". والحكایة الثانیة تتكون من شخصیات عدیدة منھا شخصیة "شمس" بصفتھا موضوعا في الحكایة الثانیة. الرابط بین الحكایتین معا ھو شخصیة شمس. مع فارق
أساسي ھو أن شمس في الحكایة الأولى شخصیة مفعمة بالحب.
أما الحكایة الثانیة فتقدمھا باعتبارھا معارضة وزعیمة وطنیة لحكومة "المجرة" تستحق الإعدام. وقد أُعدمت.
إنھا زعیمة وطنیة لحزب ھو حزب الحیاة، الذي اختار لونا لشعاره ھو لون الورد. ولھذا، فإن شخصیة شمس في الحقیقة تجسید ، في النص الدرامي، لفكرة الحیاة والتشبث
بھا. والحب عنوان الحیاة، أما الإعدام فعنوان الموت. الإعدام، بعد التعذیب، خضع تنفیذه لتراتبیة عسكریة صارمة.
فمن جھة، ھناك الجھة العلیا الآمرة بإعدام شمس، وھي غیر ظاھرة في النص؛ ومن جھة أخرى، ھناك الجھة الموكول إلیھا التنفیذ حتى وإن كان ھذا التنفیذ یتعارض مع مشاعر المنفذ. إن الأمر بالتنفیذ یتطلب التنفیذ فقط بعیدا عن لغة المشاعر، التي قد تؤدي إلى التعبیر عن موقف أو وجھة نظر.
وھذا ما لا تستسیغھ حكومة المجرة. وھذا ینطبق على شخصیة باسل المھري في النص.
تجري أحداث النص الدرامي خارج كوكب الأرض حیث توجد "حكومة المجرة".
اختیار ھذا الفضاء مسرحا للأحداث حرر النص من قید المكان. وبھذا یصبح صالحا لكل مكان، وبصفة خاصة لكل مكان یتم فیھ إعدام الحب أي إعدام الحیاة. أما الزمن الدرامي فیھ فزمن استباقي، إنھ سنة 3010 .
في الحكایة الأولى یوجد العشق والحب. وفي الحكایة الثانیة یوجد الخیال العلمي. في الخیال العلمي یكون المزج بین الأدب والفن والعلم، في إطار المتوقع من "الاكتشافات العلمیة". وفي ھذا النص الدرامي/المسرحي كان موضوع "التجربة العلمیة" ھو جسد شخصیة باسل المھري. "تجربة" نتج عنھا جسد ھجین مركب من جزئین مختلفین لجسدین مختلفین من حیث النوع. رأسھ فقط ذكوري ھو رأس باسل المھري ذاتھ؛ أما الباقي، فجسد شمس. ما ھو البُعد أو المرمى من ھذا التركیب الجسدي؟ في الرأس "دماغ خشن"، كما ورد في النص، ھو دماغ باسل المھري؛ أما بقیة الجسد الأخرى فجمیلة، إنھا تتعلق بجسد "شمس". لماذا تشویھ الجسد الجمیل ب"دماغ خشن" لا یعرف سوى تنفیذ الأوامر الصادرة تراتبیا وما على المأمور إلا التنفیذ؟ الظاھر ھو خدمة الإنسانیة من خلال التغلب على الموت. لكن، مع ذلك، یمكن تقدیم جواب آخر لن یكون إلا تأویلیا انسجاما مع سیاق الأحداث الدرامیة.
ھذا الجسد الھجین المركب لم تتقبلھ شخصیة باسل المھري بسبب المجتمع وأعرافھ وتقالیده. لقد تم تشویھ جسده تحت ذریعة التجریب، وخدمة الإنسانیة، والسبق العلمي.
ھذا التشویھ یمكن اعتباره علامة مسخ (غروتیسك: Grotesque) لھا دلالتھا في النص، باعتبار باسل المھري جلادا أعدم "شمس" أي أعدم الحیاة والحب انصیاعا منھ للأوامر.
وحین تحلیل كل علامات ھذا النص الدرامي/المسرحي وأبعادھا، یمكن الوقوف عند الجانب التنویري فیھ. التنویر ركن أساسي من أركان الكتابة الدرامیة/المسرحیة عموما عند فارس الكتابة الدرامیة عبد الالھ بنھدار.