قرأت إعلانا يقول : أن الجيش فتح باب التجنيد ...ويدعوا الراغبين للإلتحاق بالقوات المسلحة إلى المراجعة .
أنا أفكر جديا بالتقدم , هل يا ترى سيقبلونني وأنا في مثل هذا السن ؟...ولماذا لايقبلونني , أريد إعادة إنتاج نفسي بما يجب ويستلزم ...
أفكر بارتداء الفوتيك , والذهاب إلى (خو) ..واللحظة التي أقف فيها بالطابور , ويقول لي أحدهم : أقعد يا مجند ..وأجلس ويأتي الحلاق و (ع الصفر) ...ثم أسلم كامل وثائقي المدنية : جواز السفر وهوية الأحوال ..رخصة القيادة , ويتم إصدار شهادة تعيين لي ...
حين نبدأ التدريب لن يخاطبني أحد بكلمة أستاذ , لن يقول لي أحد المجندين : (مقالك حلو اليوم) أصلا لايوجد فرصة للكتابة هناك , الرمل وحده هو من سيكتب على جبهتك زمن العسكرية وقوانينها ..أفكر بطابور الرياضة الصباحي , نحن يسموننا في علم العسكرية (أغرار) ..قد أتأخر عن الطابور بحكم السن والتدخين والكرش , هل سيسامحني وكيل القوة ...في الجيش لايوجد حالة إنسانية , يوجد حالة رجولية ...ربما سيقول لي : إزحف على زنديك ..وسأزحف .
أنا حقيقية أريد أن أتقدم , وأحظى بلقب جندي ثاني / عبدالهادي راجي المجالي ..وأصنف في المشاة , ويتم توزيعي على حرس الحدود , وأخدم في كتيبة ..أسماء الرفاق الجنود فيها (طايل , مشعل , مهاوش , عليان ...مطلق) ..واسم القايد ( اسماعيل) ...وقد ألتحق بدورة قيادة ناقلة الية مجنزرة , وأجتازها باحتراف ...ونتيجة اقتداري يتم تنسيبي فورا لدورة متقدمة في قيادة الدبابات ...وأجتازها أيضا , ثم يتم نقلي إلى سلاح المدفعية .
المشكلة أني لا أكتفي بثلاث وجبات في اليوم , أريد (سبعة) ..وأنا أعرف أن الوحدات العسكرية يوجد فيها (نافية) ..هكذا أخبروني , والسردين متوفر بكثرة ...والحب متوفر بكثرة والرضى يوزع بالمجان , والوطن هناك ...هو خبزك والماء , وهو في صوت الدبابة وعرق الجبهة ودمع العيون ...في الجيش وحده الوطن له تعريف واحد وهو : القلب .
أريد أن أعود يوم الخميس في إجازة , وتوقفني الشرطة العسكرية , وتتفقد هندامي وتاريخ إجازتي , ومن ثم أغادر ...بكل وقار , ويسجل في ملفي بعد كل هذه السنين أني لم أرتكب مخالفة واحدة أبدا , وأني شاركت في كل المناورات ..وأني لم أتسبب في أي ضرر للدبابات التي قدتها , وأني لم أخالف أمر قادتي والضباط الأعلى رتبة ..ويسجل لي أني كل صباح كنت أغني في طابور المشاة : (طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع) ..
أحببت هذا النشيد كثيرا , لأنه أصدق من كل ما غنت أم كلثوم ..وعبدالوهاب , أصدق من بليغ وفيروز ..من كل الغناء العربي , هل تعرفون لماذا ؟ ...حين تحس بالخطر على البلد فالجيش هو الوحيد الذي (يطلع) من الشوارع والأزقة والبيوت ...وهو الوحيد الذي يعيد للدنيا استقامتها ...(طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع )