ما زالت "بكم تزهو المناصب" تحتل قائمة العبارات الأكثر شهرة في قاموس التبريكات لدى الأردنيين، فهي ملازمة لكل المناسبات والتعيينات والترفيعات وعند تولي المناصب الحكومية على وجه الخصوص.
"بكم تزهو المناصب"، تستهوي نشطاء ومغردين على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة عند تشكيل الحكومات أو عند إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية. ناهيك عن إلصاق هذه المقولة بصورة تجمع المسؤول مع الشخص المهنأ بالمنصب أو عن طريق "تاغ ومنشن" لإظهار أهميته كشخص له علاقة بالمسؤولين ولسان حاله يقول، "ما حدا قدي، شوف مين حدي".
يتناسى أصحاب مقولة "بكم تزهو المناصب" أن الحكومات المتعاقبة ومن تحمل مسؤوليات فيها، ما هم إلا خدمة للشعب، تناسوا أن وظيفتهم الوحيدة هي صياغة السياسات العامة وتنمية المحافظات وتوفير حياة كريمة للمواطنين. لم يعِ أصحاب مقولة "بكم تزهو المناصب" بعد بأن المنصب الحكومي والسياسي ما هو إلا تكليف لا تشريف.
ولم يعِ بعد بعض المغردين والفيسبوكيين الذين أدمنوا مواقع التواصل الاجتماعي بأن المسؤول ما هو إلا راعٍ ، فإما يكون مسؤولاً عن توفير حياة كريمة لك، أو يكون مسؤولاً عن سرقة رغيفك. فلتدعُ له بالخير إن اقام العدل، ولتحاسبه إن لم يكن قادراً على حمل المسؤولية.
إذن، فلنؤجل مقولة "بكم تزهو المناصب" لحين تقييم أداء المسؤول، فإن كان على قدر من المسؤولية، لتزهُ به المناصب حينها.
"بكم تزهو المناصب" تذكرني بمتلازمة ستوكهولم، وذلك عندما تتعاطف الضحية مع الجاني وتبرر له أفعاله وربما يصل الحال حتى التحالف معه ومؤازته، واليوم يصفق بعض أبناء هذا الشعب المكلوم لوزراء وسياسيين كانوا سبباً في خلق أزمات اقتصادية ومديونية يكاد يكون من المستحيل سدادها، وما زالوا يصفقون بحرارة لصناع سياسات وهمية لم ترَ النور أو ربما هي مشروع سياسات غير قابلة للتطبيق.
أصحاب "بكم تزهو المناصب"، أين انتم من تقييم سياسات النقل، والتعليم، والملف الصحي، أين انتم من السياسات الزراعية، وسياسات الاستثمار والتصنيع؟ اين انتم من كل هذا اللغط، أين أنتم يا أصحاب متلازمة "بكم تزهو المناصب". فاليوم باتت "بكم تزهو المناصب" كمتلازمة ستوكهولم، وكأنك تقول لمن ليس على قدر من المسؤولية "امضِ، فالأهم أنك حصلت على منصب، وزبطني بطريقك".
أرجوكم، اصدقوهم القول، وتريثوا، فالوطن لم يعد يحتمل المزيد من المناصب، ما نحتاجه هو رجال ونساء صدقوا ما عاهدوا الله عليه. نريد وطناً فقط، وطناً بلا مناصب ولا مكاسب، ولا كراسٍ.
لذا أرجوكم، لا تغدقوا عليهم بعبارة "بكم تزهو المناصب"، قيموا عملهم أولاً، فهم ليسوا رسلاً منزلين، ولربما هي فاتحة خير لوأد جملة "بكم تزهو المناصب" واستبدالها بجملة "بالعزم تزهو المناصب". وليعِ المسؤول الحقيقي بأن حجمه ومنصبه الحقيقي هو ما يقدمه للوطن فقط ولا شيء سوى الوطن.