جوهرة العرب - د. محمد صالح جرار / رئيس وحدة العلاقات العامة والإعلام - جامعة الحسين بن طلال
هكذا يرحل الشرفاء دون ان يسمح لهم باكمال مشروعهم الوطني النهضوي، وكأن الوطن كتب عليه ان تغتال طهارة كبريائه ويرتقي رجاله الاحرار دون وداع.
وصفي التل مشروع نهضوي اردني عمل على ترسيخ المعنى الحقيقي للسلطة التنفيذية وان الشعب هو مصدر السلطات.
لم ينظر للسلطة انها تمايز اجتماعي وانما قيادة واصلاح حقيقي ينطلق من الايمان المطلق ان الوطن للجميع، فمثل حالة سياسية بامتياز ما زالت سطورها تدرس وتشكل أنموذجا فريدا لمعاني الانتماء الوطني الحقيقي.
اراد وصفي التل تطهير الوطن من الانتهازيين قبل الشروع في بناء حقيقي يكون الاردن فيه أنموذجا من التقدم والحضارة ووطنا يكون لأبنائه تتحقق فيه العدالة الاجتماعية في أبهى صورها.
لقد مثل وصفي التل حالة عشق فريدة بين الشعب وبين المسؤول، الذي خرج من رحم معاناتهم وعاش الامهم وآمالهم، فكان الأقرب الى تحقيق طموحاتهم في وطن العدالة، والكرامة والكبرياء.
لقد كان تأسيس الجامعة الاردنية في عهده لتكون شاهدة على رؤيته المتجذرة من فهم عميق للتاريخ والحضارة وان الشعوب ترتقي بالعلم وتبنى بالمتعلمين. وقام بتوجيه حكومته الى ضرورة ان يكون للوطن صحافة حرة تنطق باسمه فأصدر اوامره بانشاء جريدة الرأى لتكون عين الشعب في ممارسة السلطة الرابعة، وقام بانشاء مؤسسة الاذاعة والتلفزيون لتكون نقطة تواصل الاردن مع العالم الخارجي.
وصفي التل لا يوفي حقه مقال لبيان مشروعه الوطني الذي اراده، بل يجدر ان يدرس هذا المشروع في المدارس والجامعات ليكون شاهدا للأجيال على عمق ورصانة مشروعه واصراره على المضي قدما في تحقيقه بالرغم من كافة المصاعب والتحديات التي واجهته محليا واقليميا.
في ذكرى استشهاده نقف أمام ظاهرة سياسية لم يتمكن رئيس وزراء بعده من شغر موقعه فما زال الوطن ينتظر وصفي ليكمل مشروعه الوطني في بناء وطن الاردنيين جميعا.
وما زال الاردنيون يعيشون على ذكراه، وقد حمله ابناء الشعب الاردني في قبره، كما حمل وصفي الوطن في حياته، وما زالت الحناجر تهتف بأسمه وتغنى القصائد في وصف ملحمة شعبية شكلت حالة عشق فريد متبادل مع جميع مكونات الشعب.