التقاضي عن بـُعد مخالف للدستور ومسخ لمفهوم العدالة وانتهاك لمعايير المحاكمة العادلة
بقلم الكاتب المحامي فراس صالح ملكاوي
إن أعمال القضاء هي إحدى أهم وظائف الدولة وواجباتها، ومظهر رئيسي من مظاهر سيادتها، وأحد الأركان المرتبطة أيضا باستمرار الدولة واستقرارها، وذلك فضلا عن أهمية توزيع العدالة بين المواطنين، وتمكينهم من اللجوء لقاضيهم الطبيعي وما له من أهمية في نمو واستقرار ، فإن غياب مرفق العدالة أو تفريغه من قداسته هو في الحقيقة مسخ للعدالة ومؤشرا على عدم إدراك حقيقي لأهمية العدالة ورسالتها وغياب الفهم العميق لمعنى سيادة القانون، وهذا يؤدي إلى تشويه لنظام الدولة السياسي القائم على سلطات ثلاث والفصل بينها.
ولما كانت السلطة القضائية تستمد مشروعيتها من الدستور وكانت تنظم أعمالها وفقا لقوانين اتسمت بالشرعية تستند لأحكام الدستور ولا تخالفها، فإن تأمين حسن سير مرفق العدالة ترك أيضا للقوانين المقيدة بمراعاة الحقوق الأساسية والمعايير والمبادئ الدستوريه التي تتسامى فوق أي نص قانوني يمسها بأي شكل بل إن أي قانون يقوضها أو ينتقص منها يعاب بعيب جسيم ينحدر به لدرجة العدم ويتعين إلغائه.
ومن هنا فإن قانون الدفاع مهما بلغ من الأهمية إلا أنه محكوم بقيود ليس له أن يمسها وفي مقدمتها أحكام الدستور ومبادئه، فليس لأحد وهو يطبق أحكام قانون الدفاع أن يفسر أو يأول أحكامه بما يتجاوز مبدأ الشرعية أو المبادئ الدستوريه أو الافتئات أحكام الدستورية، ثم إنه لا يجوز تطبيق الأحكام والنصوص القانون بما لا يضمن ويراعي مفهوم اتساق وتساند القوانين وموقع كل منها وفقا للنظام القانوني العام للدولة، حتى وإن كان بين نصوص ذلك القانون ما يمنحه ذلك .
وفي ضوء ما تقدم وبناء عليه فإن أمر الدفاع الصادر عن وزير العدل فيما يتعلق بالتقاضي عن بعد فإنه في حقيقته مخالف للدستور وتقويض لمعايير المحاكمة العادلة وفي مقدمتها علانية المحاكمات ومبدأ مواجهة الخصوم ثم إن سلطة القاضي التقديرية لا تتحق عن بـُعد.
أما بخصوص الإجراءات القلمية عن بـُعد فهذا ما نتمناه لنتخلص من عيوب البيروقراطية وأمراضها ناهيك عن مزاجية بعض الموظفين و....، ولكن من واقع العمل اليومي نجد أن وزارة العدل ليست جاهزه للنهوض بمسؤولياتها بالشكل الفعال لا ورقيا ولا إلكترونيا بل أصبحت الإجراءات تقوم على نسختين الأولى الورقية وثم الالكترونيه وبذلك لم تتحقق الغاية من الإجراءات الالكترونيه سوى مزيد من التعقيد، يعني جماعتنا فاهمين الإلكتروني انه نسخه ثانيه عن نفس الإجراء وليس بديلا عنه كماينبغي!!
وكذلك دائرة مراقبة الشركات ... (منذ شهرين وأنا في متاهة إجراءات تغيير مفوض بالتوقيع قدمتُ أون لاين وراجعت الوزارة وما زالت الشركة تنتظر مفوضها المفقود في موقع إلكتروني...)
وأمانة عمان ... (منذ ثلاثة أسابيع قدمتُ طلب أون لاين براءة ذمة لمعاملة نقل ملكيه عقار وما زالت..)
تـُقدم الطلب إلكترونيا ثم لا تموت فيها ولا تحيا
ببساطة الإجراءات القلمية إلكترونيا هي ما نتمناه وقبل اعتمادها يجب على وزارة العدل أن تكون جاهزة للعمل.
وأما المحاكمات عن بعد فهي مسخ للعدالة و إهدار لمبادئ دستورية ودولية بنيت عليها فكرة الدولة والقضاء ومفاهيم لا توصف المحاكمات بالعادلة إلا بتحققها.
وإذا كان تراجع عدد القضايا المسجله في السنوات القليلة الماضية فمرده إلى إهدار الدولة لحق المواطن باللجوء للقضاء وذلك عندما جعلت من ارتفاع قيمة الرسوم حائلا بين الإنسان وحقه باللجوء للقضاء فأضحى اللجوء إلى القضاء لا يستطيع إليه الفقير أو المُعسر!!! وفتح الباب على مصراعيه أمام تجار الحقوق فظهر علينا من يشتري مخطط كروكي أو حق بالتعويض عن وفاة أو حق مصاب بالتعويض أو عامل أصابه العجز فاقعده عن الكسب...!!!!
فأصبح المواطن يبيع حقوقه الماليه لمن يشتريها ولو بربع قيمتها!!
تلك الآثار السلبية ما كانت لتكون لو أنمن صاغ التشريعات الناظمة لرسوم المحاكم وأنظمتها مدركا للمعنى الحقيقي لاتساق القوانين وتساندها وكيف يتسبب قانون رسوم وزارة العدل بانهيار شركات تأمين وكيف؟؟ وكيف لنص في قانون العقوبات أن يتسبب في إنتحار طالبة في جامعة ما، لأن العقوبة المقررة لجريمة الابتزاز لم تتجاوز ثلاثة أشهر؟ وكيف سنحمي الأسرة إذا لم يدرك من صاغ القانون أن تعديله للعقوبة المقررة عن جريمة إفساد الرابطة الزوجية بحيث أصبحت لا توجب التوقيف كان السبب في سلسة جرائم في بلدة ما..!؟؟
أو كيف تسبب غياب تشريع يضمن إيواء وحماية فتاة وامرأة تتعرض للتعذيب على يد زوج أو أم أو أب يفرض عليه القانون توقيع تعهد ثم يقتادها عائدة إلى زنزانته المنزليه فتموت تحت التعذيب؟؟!!