آخر الأخبار

الدكتورة خالدة مصاروة تكتب : ماذا سيتنبأ لنا علماء الفلك حول عام 2021؟

الدكتورة خالدة مصاروة تكتب : ماذا سيتنبأ لنا علماء الفلك حول عام 2021؟
جوهرة العرب - د. خالدة مصاروة

الطموحات البدائية تجعل الناس يترقبون بشغف ما يتوقعه علماء الفلك والعرّافين والبصّارين المتخصصين في عالم الغيبيات –كما يدعون- فتهرع مجلات ووسائل إعلام كثيرة مطلع كل عام إلى تلك التوقعات، وتبدأ بنشرها ومناقشتها. وكما هو معلوم ينقسم الرأي العام بين مُؤمن بكذب المنجمين، ومَن يؤمن بصدقهم، وعلى كلا الحالتين فقد أصبح المنجمين نجومًا منافسة لأهل الفن، والسياسة، والاقتصاد، والاجتماع.

لقد تحققت نجوميتهم بفضل الجمهور الذي بات مستعدًا ليقبل أي قراءة للمستقبل حتى المتعلمين منهم؛ بسبب حالة اليأس والعجز أمام الأزمات السياسية، والاقتصادية المعاشة فينجرفون بطريقة لاإرادية إلى فضاء الوهم والخيال، وكل ذلك يحيل إلى مدى ضعف الإنسان العربي الراكد في واقع مُرّ، والذي لا يعلم شيئًا عن المستقبل، فيبحث عمّا فيه من خلال عيون العرافين، ولا ينظر إليه بعين العلم والتخطيط الواعي والاستراتيجي للمستقبل.

يدخل الجمهور في طقوس العِرافة، ويبدأ المُنجِّم ببث تنبؤاته، وهم أمام التلفاز بقلوب مؤمنة، وخاشعة تدق بعنف منتظرة مصيرها. في هذا المقام أنا سأتدخل لأقول لكم: أخي العربي... توقف، بإمكانك أن تصبح أكثر العرافين شهرة، وتحفظ كرامتك، وتحترم عقلك، كل ما عليك فعله هو التمييز بين المعلومات الصحيحة والزائفة، وبين الآراء والحقائق، وعليك اختيار المصادر الموثوق منها للمعلومات، والتخلي عن التحيّز والتعصب الأعمى؛ حينها سترى بوضوح، وبعيون محايدة، وحتمًا ستتحسن مهاراتك التنبؤية بتطوير الأحداث المسرودة، وسيكون لديك بصيرة.  

فمثلاً نحن نستطيع أن نتنبأ دون ادعاؤنا بأننا علماء فلك بأن عام 2021 سيكون عام الشيخوخة، والانتحار لمن ينظر إلى السياسة بدوافع فكرية وتاريخية ونفسية. أمّا مَنْ يكثر من توجيه التهم إلى المتناغمين مع النظام الدولي بالخيانة والعمالة، والمكتفي بوطنية المنعزل، ولمن لا يرى أن السياسة مصالح في العالم، والمكتفي بأن نراها بعقلية قومية أو عقلية دينية، فهذا لا عزاء له، ولا تنبؤات تعجبه سوى المتعلقة بالقتل، والتهجير، والحروب، واقتراب نهاية العالم، فأمثاله كُثر في عالمنا العربي. 

وبإمكاننا أن نتنبأ  بأن عام 2021 عام صراع الشعوب من أجل الخير العام، من خلال اعتماد التعليم، والصحة أولويات في حياتها. وأيضًا عام 2021 عام مستعر بصراع الجماعات نحو مصالحها، والتحكم في مصير الآخرين. وتكثر الكوارث الطبيعية، وهذا شيء لا يدخل في حكم التنبؤ غير العلمي؛ فتغير المناخ هو أحد الأسباب. واكتشاف لقاحات، وأدوية للأمراض؛ وهذا أيضًا اكتشافات علمية لمن يتحكم بالبحث العلمي. وسيبقى عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع، ولذلك لن ننمو اقتصاديًا بشكل أسرع من نمو السكان، وكثرة المواليد بسبب وباء كورونا. وسيدخل التعليم عن بعد إلى المنظومات التربوية ويصبح إحدى أدوات التعليم الذاتي الذي سيكون منارة للمستقبل للاقتصاد الرقمي إلى جانب التعليم الوجاهي.

إذن التنبؤات هي عبارة عن عمليات إجراء تقديرات للمستقبل على أساس البيانات السابقة والحاضرة، هي تقدير نشاط الإنسان والكون في المستقبل، وتخطيط قائم على وضع افتراضات غير محدودة حول أحداث المستقبل. وبالتالي من غير المجدي أن ننتظر ما سيقوله غير العلم والتنبؤ العلمي.

وأخيرًا... في نهاية هذا العام المؤلم أتوجه إلى بني وطني وقيادته والعالم أجمع بأمنيات قدوم سنوات أفضل تكون فيها سهرات التنبؤات للترفيه والتسلية بعيدًا عن أي تحكم في أفكارنا وعواطفنا، ودون تأثير في أعمالنا، سهرات نضحك فيها وتكون فرصة لمراقبة الأحداث وربطها، ومراجعتها.

المصدر : جريدة الدستور