رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

أربعاء القيصر الثقافي يلتقي الشاعرة الجزائرية نسيبة عطاء الله لا

أربعاء القيصر الثقافي يلتقي الشاعرة الجزائرية نسيبة عطاء الله لا
جوهرة العرب

لا زال الطواف الثقافي محليا ودوليا هو شغل القيصر فضمن سلسلة حلقات برنامج أربعاء القيصر الثقافي والذي ينظنه اتحاد القيصر للآداب والفنون وبدعم من وزارة الثقافة الأردنية  استضاف الأديب رائد العمري معد ومقدم البرنامج في حلقته ٢٦ الشاعرة الجزائرية نسيبة عطاءالله ليسلط الضوء على تجربتها الأدبية والشعرية
 وفي سؤال العمري للشاعرة نسيبة عطاء الله عن البدايات مع الأدب والدراسة الأكاديمية قالت:  بداياتي مع الأدب أولا في الروح والجينات، وقد ولدت شاعرة متأملة، إذ نشأت بين مخطوطات أبي رحمه الله، وأتقنت الكتابة بشكل سليم في سن الثالثة، وقد لعبت مكتبة البيت دورا كبيرا في تحصلي على رصيدي اللغوي بداية بالقرآن الكريم. 
بدأت أنزع إلى الكتابة بشكل متدفق في مرحلة الثانوية بسبب الجفاف الذي عانيت منه في تخصصي العلمي، أما بدايتي الفعلية للكتابة فقد تزامنت مع فوزي بمسابقة الماستر في النقد الحديث والمعاصر عام 2014 وأثرت بي وقتها رواية "أعشقني" للكاتبة سناء الشعلان وأيقظت بداخلي نسيبة الأديبة كما أيقظت مفاهيم مقياس فلسفة اللغة، نسيبة الشاعرة...

وعن سؤال العمري للشاعرة: تنقلت بين القصيدة الشعرية العامودية والنثرية حدثينا أين تجد نسيبة نفسها أكثر وما هي الموضوعات التي كثرت في كتابات نسيبة والتي تجذبها أكثر؟ 
أجابت : لست متزمتة لنوع معين ولا أحرس نفسي لحظة الكتابة، القصيدة العمودية تتجلى لوحدها في لحظة ولادة وكذلك قصيدة النثر، ولكن تخصصي في النقد الحديث والمعاصر وتوجهي للقراءات الحداثية جعلني أنزع إلى قصيدة النثر بحسّ فيه الكثير من عشقي الأصيل للإيقاع العربيّ وهذه الأشياء لا يمكن التّنصل منها، إضافة إلى ذلك أنا أرى في قصيدة النثر مستقبلا لغويا وشعريا قد يفضي إلى قصيدة تسيل عن الضفاف كما أطمح إليها. لذلك آثرتُ أن يكون إصداري الشّعري الأول في قصيدة النّثر دفاعا عنها في وجه التّزمت للنّمطية والانغلاق الفكري عند كثيرين، وهو ديوان "الجُلوس عند الهاوية" الصّادر عن دار ميم بالجزائر عام 2017، وكتبت فيه عن قصيدة النثر بشكل شعريّ مثلا في قصيدة "كيف يُصنع الشعراء":
فاشعري لآخرِ مرّةٍ تناسُلَ الأعاصيرِ فيكِ
واكتُبي بصيغةِ النّثرِ الذي تضاعَفَ عن حدودِ البحرِ
...
لأنّي لم أعرف كيفَ أَزِنُ الموتَ
صرتُ أكتبُ قصائدَ نثريّة.

ثم قال العمري : ما من شاعر إلا وتغنى بحب الوطن، والجزائر بلد الشهداء فماذا كتبت نسيبة في هذا الجانب وماذا ستسمعنا من شعرها الوطني؟ 
ردت نسيبة كتبت عن الوطن بشكل صريح أولا قصيدة "ركام من كلام" عام 2009 التي يتضمنها ديوان "صمتُكَ وحناجِري" وقد تنبأت فيها بالكثير من المآسي التي حدثت في السنوات الأخيرة بالجزائر، مطلعها:
في وطني تُذبَحُ القصيدةُ كنعجةٍ دونَ هُويّة
ثم قصيدة " مواجع خضراء" عام 2015 التي يتضمنها ديوان "غرداية" الجماعي مطلعها:
وجعي أنا جرحٌ يُلحِّنُ نفسه 
ويصدحُ في شجون
أرضي اليتيمةُ ظِلُّها كالموتِ 
يسبحُ في العيون
ولي وطنٌ كالطفلِ يبكي في كلامِ العابرين
يُنقِّبُ في القبورِ عن اليقين
يُخفي دموعَه في نشيدٍ من دماء
ثم قصيدة، "كَراكيِبْ" بديسمبر 2018 والتي تنبأت فيها بحراك فبراير 2019، وقد شاركت بها في ملتقى الشباب بجامعة "ورقلة"، آخر مقطع منها:
..
ورُبّما.. مِنْ قارِبٍ يَنجو نَبِيٌّ
رُبّما مَهْدِيٌّ
رُبَّما يَخْتَصِرُ الوَعْدُ الطّريقَ
ويَفُكُّ دابّتَهُ
يأجوجَهُ، مأجوجَه، ومَسيخَهُ
رُبَّما تُحرِّرُنا شهْقَةٌ في حَيِّزِ المُعجِزِ 
مِنْ مُمكنٍ حَتمِيٍّ
فقد هَزِلَ التّصَوُّرُ أن يُحيطَ بِهم جميعا:
(المقاهي، والمراكزَ التّجارية، والرّأسماليّة، والاشتراكية، والعبث والمتسوّلين، والصّادقين والخائنين، والحكومة، والمساجين، والفياغرا، وأكياس البلاستيك، وصناديق الانتخاب، والمقابر، والإطارات، والأقفالَ، ونشراتِ الأخبار، والسّمَكَ الفاسِدَ، والكوليرا.. وقلبي!)
في بلَدٍ واحِدٍ
وعَجِزَ التّساؤُلُ
أن يرى الحَبْلَ الذي وصَلَ العُلومَ
مع النّجاسَة
عَجِزَ الذي يَزورُ بِلادَنا
أن يُقارِنَ شكلَنا بجُدران الجامِعاتِ، والطّاوِلاتِ
ودوراتِ المِياهِ
والخِطاباتِ والخُطَبِ
والسّياسَة
وأسواقِ الذُّبابِ على طَعامِ هوائِنا
أنْفاسَنا المَسجوعَةَ بالغَضبْ
كلُّنا، 
والذينَ أظَلَّهُم هَمٌّ 
وتنَهّدوا، لم يفعَلوا شيئا يُعبِّرُ عن تَعَبْ
كلّنا، ولا تكفي الكراسي
لتلقَفَ من حياتِنا حاءَها
كلُّنا، ولا يقومُ فجرٌ ليومٍ فوقَنا
ولو ليَخدُشَ سقفَنا الملعونَ بليلِنا الأبَدِيِّ
فلِمَ هكذا، يحمِلُنا الثَّباتُ؟
ونُسْقِطُ روحًا حُرَّةً في حِجرِ التّخلي
نوقِفُ حَصْوةَ "لا" بحَلقِ آخِرِ فُرصَةٍ
لِيَنزِلَ نبضُنا السَراديبْ
ونُسَمّى 
ذاتَ تاريخٍ بعيدٍ
شُهداءَ الأنابيبْ؟!
ثم في ديواني الجديد "في ضِيافةِ غودو" قصيدة "المُدُنُ عندَ بعضِها والوطنُ مِدخنة" التي تتحدث عن رؤية ثورية لمفهوم التطبيع بشكل إيروتيكي يعبّر عن مأساة الجسد الجغرافي للوطن والذات العربية أيضا وقصيدة "أبناء العَلامات" عن أزمة الأكراد، وقصائد كثيرة أخرى.. ولكنّ الوطن بالنّسبة لي معجون بجميع المنطلقات الشعورية وهو حاضر في كلّ نصوصي بشكل ما، فلست أؤمن بالتّصنيف في الموضوعات وعندي كلّ شيء ينطلق من كل شيء ويؤدي إلى كل شيء أيضا.
وعن سؤال العمري للشاعرة عن مناصرتها للمرأة وحقّها وهذا واضح للمتابع لكتابات نسيبة عطاء الله فماذا ستحدثنا نسيبة عن ذلك وماذا ستسمعنا من كتاباتها تلك؟ 
أجابت : كما كتبت عن المرأة كتبت عن الرّجل، ولديّ هذا الصّوت المزدوج وأجيد تقمّص جميع الشّخصيات والحالات وأوقن أنّ المرأة ليست دوما مظلومة وأنّ الرّجل ليس دوما ظالما، رغم أنّ كتاباتي في الدّفاع عن صوت الأنثى ثائرة جدّا أيضا على الأنثى كما هي ثائرة على الرّجل، وكتبت بصوت الرّجل العديد من النّصوص السّردية والقصائد منها: نصّ "تحت سماء سوشو مومبيليار"، "سيجارةُ الوقت"، وغيرها ومن نصّ سيجارة الوقت أذكر المقطع الأخير:
.. 
كلّما ضاقت بنا على وُسعها الشّوارع
نلتقي كما لو أنّ الوطنَ جِدارٌ واحِدٌ
أو أنّكِ لعنةٌ
تُلقين جبلا على رأسي
أُعرَفُ بِكِ كأنّي لقيطُكِ
وأُنسى لتكوني الحادثَ الوحيدَ
في سيرتي الذّاتية
..
أنا السّاكِنُ في شرايين التّسعينيّاتِ
أنمو في ذاكرة الدَّمِ 
حيثُ كنتِ الرَّصاصة التّي أصابت زمني
فتوقَّفَ وأنا أشعلُ سيجارة الرّيم
بعود كبريت.
لم تقتلني الخيبة عدا أنّكِ
لا زلتِ تُشبهينَ شيئا يحفِرُ تحتي
وأنا أُفسِحُ لهُ ضحكَتَكْ
أنتظر أن تنزعي "عْجارَكِ" لأجلِ موتي 
مرّةً واحدة، لأتفقَّدَ نفسي
وأعرِفَ كيف أجيبُ المَلَكينِ
عند سؤال: "عمرُكَ فيما أفنيتَه"؟!

وعن سؤال العمري عن  الغزل والحب والمشاعر المتأججة التي تزيد من شهوة الكتابة وتدعو الشعراء للكتابة فيها، فماذا ستسمعنا الشاعرة نسيبة عن تجربتها مع شعر الغزل

قالت:  أقرأ أبياتا من قصيدة عمودية طويلة جدا، "حشرجاتُ الغِياب" منشورة في كتاب "مشاعل جزائرية: لمئة كاتبة جزائرية:

إنّي لأُفني في عيونِكَ خافِقي *** وأمُدُّ مِن روحي الحياةَ وأسرِقُ
وأعيشُ عُمري لا أُبالي خيفةً *** العُمرُ أنتَ ولو بصيصاً يَبرُقُ
أرجوكَ عُد لي كيف بعدكَ أشتهي *** أنتَ الذي (إن كُنتَ لي) ما أُنفِقُ
والشّمسُ تستلفُ الضِّياءَ كأنّها *** مِن ضوءِ عينِكَ بالغِوايةِ تُشرِقُ
قُل لي أُحِبُّكِ وانتظِرْ ما ينجلي *** سأُطِلُّ من زَهرِ الرُّبى أتزوَّقُ
دعْ عنكَ غيظَكَ وانفجِرْ من أجلِنا *** إنَّ الغرامَ إذاَ تكتَّمَ يفسُقُ
هيّا لنَجْزِل بالعَطاءِ كلامَنا *** إنَّ الفِعالَ من الرَّسائلِ أصْدَقُ
ما زِلتُ أطلُبُ في الغيابِ وأشتهي *** هل كان فيما أشتهيه تمَلُّقُ
جوعي إليكَ حكايةٌ أبديَّةٌ *** وَجْدا أموتُ وأنتَ حيٌّ تُرزَقُ؟!
إنّي هُنا بالصَّبرِ أرحَمُ يقظَتي *** تبكي القُبورُ على صِبايَ وتَشهَقُ
ولَأنتَ قلبي لا تجيءُ تمنُّنا *** خوفي نسيتَ لقاءَنا ما يَعبِقُ
أُذكُر حبيبي قِطعةً من نورِنا *** يتفتَّتُ الكونُ الفَسيحُ و يُمْحَقُ
هذي يدي ممدودةٌ لعناقِها *** يا من فُراقُهُ في حياتي يُطبِقُ
حولي الفراغُ وظُلمةٌ تجتثُّني *** فإذا صرختُ فباسمِ حُبِّكَ أنطِقُ
نفسي اليتيمةُ لا تُقيمُ بنفسِها *** طارتْ إليكَ صميمُها يتألَّقُ
ألِفتُكَ من قبلِ المحبَّةِ بُرهَةً *** في لحظِها كُلِّي وجَدتُهُ يَعلَقُ
ثوبُ الهوى مُتلألئٌ مُتجَدِّدُ *** والرُّوحُ فيهِ كليلةً تتمزَّقُ
كَم يتعبُ القلبُ المُدانُ بعشقِهِ *** كيفَ القَضاءُ لدائنٍ لا يَعشَقُ
نارٌ على نارٍ حَنانُكَ قاتِلي *** لَم يُبقِ مِنَّا ما يُراقُ ويُهْرَقُ
أكرِمْ بقلبِكَ من فُؤادٍ دوُنَهُ *** عَفْوٌ إلى يَومِ القِيامَةِ يُلْحَقُ
بَرئَ الأَنامُ مِن الصَّبابةِ والهَوى *** وأنا على بابِ الصَّبابَةِ أَطْرُقُ!


وفي سؤال العمري عن  نسيبة عطاء الله وتجربتها مع القصة القصيرة  وخاصة أن لها مجموعة قصصية منشورة في الأردن، قالت: "فايس عِشق" هي مجموعتي القصصية الأولى الصادرة عن دار فضاءات عام 2017، موضوعها الحبّ في الفايسبوك، وهي تحمل في أغلبها رؤية مأساوية للحبّ الأزرق، صوتها أنثوي إلى حدّ كبير وضمّنتها بعض النّصوص التي نشرتها عن المرأة في مجلة المرأة العربية تحديدا في قصّة "تأبّطتُ خيبة" التي يعتريها غضب كبير، ونظرة ساخرة أيضا للذات والذات الأخرى. ومنذ فترة أعدّ مجموعة قصصية صوتها المرأة أيضا أصوّر فيها أنّ للتّعاسة أسماء سعيدة، منها قصّة "أنا وروكي" التي فازت مؤخرا بجائزة العلّامة عبد الحميد بن باديس بقسنطينة بمناسبة يوم العلم 16 أفريل الماضي، والذي يقرأ لي يجد أنني أحب كثيرا مزاوجة الشعر بالقصة خاصة في القصص التي أراها تستدعي ذلك، وأيضا أحب أن أنكّه قصائدي بنفس سردي تصويري أشبه بالمشهد الذي ترتفع لغته عن النثر العادي.

 وفي سؤال العمري عن نسيبة الأكاديمية التي اختصت في الأدب والنقد الحديث ومشاركتها في المؤتمرات الأدبية والنقدية قالت:
• تحصلت على ليسانس أدب حديث ومعاصر من جامعة مستغانم عام 2012، ثم ماستر في المناهج النقدية الحديثة والمعاصرة عام 2016 ورسالتي كانت حول البنيوية التكوينية في المنجز النقد الجزائري المعاصر وهذا الاختصاص مكّنني من معرفة مدى أهمّية السياقات الاجتماعية والثقافية والنفسية في إنتاج النّص ومنحني بعدا واسعا في الكتابة الأدبية أو النقدية على حدّ سواء، لأن تتبع المسارات السابقة للكتابة واللاحقة لها هو ما يحدّد رؤية العالم التي تصنع أفكار المستقبل وتنبّؤاته.
ثمّ لاحقا فزت في مسابقة الدّكتوراه بجامعة تلمسان عام 2017 بتخصص النقد الحديث والمعاصر، وأنا الآن طالبة في السنة الأخيرة وأطروحتي حول الرواية الجزائرية، أحب أن أنوّع في دراساتي الأكاديمية وعدم التّقوقع في منطقة واحدة وأثناء هذا أكتشف ذاتي الكاتبة والنّاقدة معا، فالإبداع لا يتجزّأ، والمزاوجة بين النقد والكتابة أفادني كثيرا في الانفتاح على أساليب أرحب ممّا هو في حدود المعياريّة والنّمطية.

وأما عن سؤال العمري : في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وزيادة الدخلاء على الأدب والشعر هل ترين أن لغتنا وأدبنا وشعرنا بخير وما هو رأيك بهذا الأمر؟ أجابت : اللّغة العربية هي لغة حيّة، وكما قال أحد المفكّرين الفرنسيّين، هي لغة سيحتاجها العالم عندما يغرق في المادّية والوحشية لأنّه لغة أخلاق ورقيّ وتهذيب وإنسانيّة، فقط لنترك رصيدا طيّبا للأجيال القادمة تحمل هذه الرّسالة السّامية علينا أن نكون أكثر نخوة وأن نراعي الأخلاق والقيم في تلميع المرآة أوّلا لكي يكون انعكاس صورتنا فيها واضحا ونظيفا للآخر الذي سوف يقرأ غدا، وأعني بهذا أخلقة العمل وإتقانه بالحرص على الأفضل، من حقّ الجميع أن يجرّب لكن ينبغي أن يكون ثمّة دائما من يُغربل.

وفي حديث العمري عن طموحات  وغايات نسيبة التي  تسعى لتحقيقها  على الصعيد الثقافي والوظيفي أجابت: غايتي الأسمى هي أن أرتقي في إنسانيّتي، والوصول إلى أفضل نسخة منّي حاولت الحياة تشويهها وتضييع خُطاي عنها، وأطمح لأن أكون من الأيادي التي تساهم في تلميع المرآة، أمّا بخصوص الوظيفة فأنا لا أراني في مكان واحد فقط.
 في النهاية طلب العمري من الشاعرة قصيدة تهديها للمتابعين فقرأت  قصيدة: "أورا النّظرة الأخيرة" ما دمنا على مشارف نهاية السّنة، وهي منشورة في ديوان "في ضيافة غودو" الصادر حديثا عن دار خيال بالجزائر؛ راجية من الله عاما جديدا عامرا بالخير على البشريّة.

- أورا النّظرةِ الأخيرة -

تحتَ سَوطِ الحقيقةِ
تتمنّى روحي لو كانتْ عَرَبةً
على يدِ أيِّ صخرةٍ، نهايتُها سهلةٌ وسلسَة
وهذا القلبُ يَنفُقُ في مطحنةِ القراراتِ المُتذبذبة
من يُوقفُ اللّيلَ وهو يُضيِّعُ الوقتَ بخلاياي؟!
لقد راجعتُ كلَّ حدائقِ العُمر، فخرجتُ بِلا بِتلّاتٍ
أغرِسُ مكانَ رُموشي دُموعا خشبيّةً
لأُحرقَ خيالاتي الموحِشَة، كما وجميعُ الدّكاكينِ سِلعتُها الكِبريت
من يَبيعُ فرصةً نحو البئرِ
لمُستقبلِ النّجومِ الصّغيرة؟
ويتساءلُ جرحٌ يتمدّد كلّ مساء: أليس لهذا اللّيلِ أمٌّ تثكله؟!
أشياءٌ من قَبيلِ خزانَتي
قطعتْ وريدَها، على نصائحِ الملائكة
وشاهدتُ حُلمَ الرّقصةِ الأولى يُحمَل على رافعةِ الخيبة
وليالٍ تعيشُ في مناطقَ مضيئةٍ من عقليَ الباطن
أطفأَتها قارئةُ التّاروت
ليلٌ وزّعَ دمَ حِكايتِنا بين الكُروت
لأسمعَ انتصارَ الماضي يَقرعُ طبولَ العامِ الجديد
فأدخُلُ كلَّ يومٍ حياتي من بوّابةِ العلاقات الثّلاثية، عاتبةً على هذا الجسد
الذي لا يُطيحُ به أيّ غدر
فماذا يريدُ اللّيلُ وقد سمِعَ مِثلي ما قالَه الأورْكُل؟
ولماذا أمسكتَ يدي، درجتَ بي في مشاعرَ وعرةٍ
وعندَ الأسى أفلتَّني؟

كنتُ أمُدُّها وحيدةً في زحاماتٍ حادّة
 تُخلِّصُني (البياري والصّاعقة) من اللّا جدوى 
لكنّ مِرصادَ السّلميةِ أودى بأحلامِ الموتِ
وجذرّني أكثرَ في غُربتي فيكَ وانتمائي إليك
لماذا كنتُ أسعى في أيّامٍ مليئةٍ بالصُّراخ
أبحثُ عن ثقوبٍ في الهواء أُرمِّمُها باسمِكَ، ثمّ انتهى
كلُّ عهدِ الأكتافِ المُلتحِفَةِ بالحُبّ 
لتغزُوني مَرارةُ الشّوارعِ الفارغةِ.. من جديد
لماذا أنتَ وطني، رغمَ كلّ الكؤوسِ المملوءةِ بالكون
وأنا أحمِلُ جناحَيِ السُّرعة لأقولَ لكَ "نعم" قبل انبلاجِكَ في سمائي
قبل نيّتِكَ في الكلام.
أتابِعُ حلقةَ الحياةِ الثّابتة في ورقةِ الإمبراطور
وأنا عيني على الكأسِ الواحِدة
متى تسكَبُ بي رمقَ الحُلول؟ 
ولماذا عجلةُ الحظِّ مقلوبَةٌ في نصيبي منَ القراءاتِ
كأنّني أنا من فرَّقَ الأحجارَ عن تُربَتِها!
أبكاني حتّى العقيقُ الحَنون
كلُّ اختيارٍ أودعتُ فيهِ آمالا مُزمِنةً، لوى حبليَ الطّاقيَ على عُنُقي
وأفزعَ قلبي على ورقةِ الصّولْ مايْتْ
أقولُ "بسم الله" لترحمَني الكوتشينة، ويتنحنحَ البندولُ جهةَ السّاعة
لكن ترتابُ الفيزياءُ والقوى الخفيّةُ عند كلِّ حكيمٍ سألتُ عن نهايتِنا
وليست هذه أوّلَ سنةٍ أسحبُ غطاءَها على كومتي وأنام
فمِن عادةِ ديسمبر أن يُلاحقَني، كرضيعٍ يُقاوِمُ الفطام
والأيّامُ تُلقّمُه قلبي بحُجّةِ أنّي أفيضُ بكَ
من شاكراتيَ السّبعة!
كان عِناقُكَ أكثرَ شيءٍ حيٍّ داخلي، لا تزالُ تتلعثم فيهِ عظامي
والعثراتُ من صفاتِ اللّغاتِ الصّعبةِ
كخروجِكَ من ذلك الباب، وبقائي تمثالا خلفَكَ
أتعلّمُ الصّمتَ وأرسُبُ في النّظرةِ الأخيرة
كيف بهذا البطؤ تمادت كلماتٌ كان يُمكنُ أن تحسِم الطّريقَ
في عشاءٍ أخير
وتبقى أحذيتي صالحةً لحُبٍّ لا ثأرَ بينه وبينَ السّاعات
وأبقى أثقُ بالنّقاطِ على الحروف!
...
لأنّي لا أموت، أتبادلُ نفسي مع وحوشِ الدّيجيتال 
أستشهدُ لإنقاذِ العالَم من الظّلام
فقط كلّفني نورُك، أن أطلبَ من الله سكتةً قلبيّة
وتحتَ سوطِ الحقيقة
تتلاشى أمنياتيَ الرّقمية، بتأثيرٍ من القمَرِ في بُرجِكَ
فأحقدُ على زُحل لأنّه لم يترُك لي ساعةً منكَ
أقنعُكَ فيها، بأنّي نِصفُكَ الذي لم تتعرّفْ عليهِ في ثلّاجةِ الموتى
وأضحك لأُصدِّقَ أنّي صرتُ قادرةً على ترتيبِ مقتنياتي لأجلِكَ
أعلّقُ الدّانتيلَ وأسمعهُ يتمزّقُ في مفاصلي
ظننتُ كثيرا أنّها الكارما، طالتني لإنكاريَ هذا اللّهب
حتّى أثبتَتِ المواعيدُ حِدادَها القَبَلِيّ بي
وأنا معها أتعفّرُ مجازا بالرّماداتِ المُخمليّة
والعطرِ المُخِلِّ بالصّحو
أجوزُ للحُزنِ الذي بصفات جاهليّة
وأتوضّأُ بالفراغاتِ لصلاةِ الرّوح، فأرى ألمي في قِماطه
يُنازِعُني امرأةً تبكي لأنّها ملفوفةٌ بالعالَم
تَضيعُ منّي، لا ألتقيها إلّا في الغُبار
وهكذا ينتُشُ ريشٌ ناعِمٌ انتظرَ أن ينزلِقَ على يدِكَ
بالنّدى الذي نقَّحَ السّكون، وأضافَ بعضَ المَدِّ على ظُلمةٍ عاهرة.
**
أجملُ الهدايا إليكَ ابتلعتها عوالِم مُوازية
كالشّريطِ الحريريِّ الذي خطّطتُ لترويضكَ به
كأنّ الأسودَ مِن خُصوصيّاتٍ ما ورائيّة
كأنّني أدعَسُ على دُستورِ الحيواتِ السّابقة، دوما موقوفةٌ للحساب 
في محكمةِ البُعدِ الثّالث
وأتمرّغ على أنفِ الأرضِ لأتفقَّه في نحوِ السّماواتِ
أهذا يا ربُّ هو التّجلي؟
أن أُديرَ ظهري لسنةٍ لا عامٍ، مِن أشدِّ ما خلقتَ في الزّمن
من شرّ ما قضيتَ في عُمري
كأنّي بكامل فقراتي 
هل تَجُبُّ الصّحوةُ ذُنوبَ الوقت؟ وقد تكسّرت عظامي على رُكبةِ الافتراض
فأنتَ الأعلمُ بالوجهِ الذي كان يودِعُ فيكَ أحزانَهُ الحمراءَ والصّفراءَ  
والرّمادية، ويتجلّى لهم مُشرِقا بالنّورِ الذي تشتقُّه النّار
كيفَ واللّا لونُ هالتي، ألّا تراني المتاهات؟
كيف وأنا نِصفٌ أن أكتمِل؟!

وفي ختام اللقاء صرح العمري باستمرارية هذا البرنامج ضمن رؤية ورسالة اتحاد القيصر للآداب والفنون وأنه أصبح له متابعون ينتظرونه في كل أسبوع من المهتمين بالشأن الثقافي والأدب في العالم العربي.