التعليم الالكتروني
"جوهرة العرب" / مقال للكاتب: محمود الدباس
نظرة سريعة حول التعليم الالكتروني.
وهل التعليم الإلكتروني هو البديل للتعليم الوجاهي المدرسي والجامعي؟
وهل هو قادم لا محالة؟
بداية سأتناول هذا الموضوع الحساس والذي يمس كافة شرائح المجتمع من عدة زوايا ،كي يسهل علينا تحديد مساراتنا واولوياتنا.
عندما أراد حافظ إبراهيم مدح الأم قال: الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعدت شعبا طيب الاعراقِ.
وهنا أود أن أشير إلى دقة التعبير، حيث ان الأم وبكل قدسيتها في كافة الشرائع ومكانتها الاجتماعية العالية تحتاج إلى إعداد وتمكين حتى تصبح مدرسة تخرج الأجيال المؤهلين.
والناظر للطالب في أي مرحلة عمرية وهو يتجهز للذهاب إلى مدرسته أو جامعته، منذ استيقاظه إلى أن يصل مقعده الدراسي يجد ذلك الاستعداد والانضباط والتهيئة النفسية لتلقي العلم من أساتذته والتعلم من أقرانه.
وإذا ما دققنا النظر في ما هو داخل أسوار الجامعة أو المدرسة، نجد أن كل شيء قد تهيأ لإيصال المعلومة للطالب بعيدا عن كل مغريات الحياة المنزلية والضوضاء التي تصاحبها.
فالتعليم الصفي والوجاهي هو الكفيل الأول والأخير لتحقيق رؤية وزارة التربية والتعليم وكذلك الجامعات بكافة تخصصاتها ومستوياتها.
بعد انتشار الانترنت وكثرة مستخدميها وزيادة محتواها من المعلومات والعلوم والتطبيقات الجاهزة للتعاطي المباشر في كثير من الأحيان دونما الحاجة إلى كثير من عمليات التحليل، والتي أصبحت في متناول الجميع على اختلاف مستوياتهم العلمية أو الاجتماعية أو العمرية، أصبح موضوع التعليم الالكتروني يفرض نفسه على الساحة بشكل قوي.
ومنذ أكثر من عشرين عاماً بدأت فكرة التعليم الالكتروني تظهر في بعض المؤسسات التعليمية وخاصة الجامعية وبعض مراكز التدريب، وكانت تستخدم كبديل لبعض الحالات الخاصة في بعض المجتمعات لاعتبارات دينية أو اجتماعية او لبعد المسافات أحيانا.
ولكن عندما تعرّض العالم بأسره إلى امتحان قاسٍ بسبب جائحة كورورنا، ظهرت أهمية هذا النوع من التعليم، وأصبح هو الأساس في هذه المرحلة.
فهل سيصبح هو البديل عن التعليم الوجاهي؟
هنا سأعرض الموضوع على شكل تصوّرين:
التصور الأول:
(من شاء فليدرس، ومن لم يشأ يتحمل وِزر نفسه، وعند الامتحان يُكرم المرء او يُهان)
لقد كشفت الجائحة عن الحاجة للتباعد في الغرف الصفية، وذلك ليس فقط بسبب كورونا وإنما لوجود الكثير من الأمراض المُعدية التي قد تنتقل من طالب لآخر بسبب القرب في المقاعد، وهنا سنجد أنه سيصبح لِزاما على المدارس والجامعات أخذ موضوع التباعد بشكل أساسي، وهذا سيقودنا إلى أن الطاقة الاستيعابية للمدارس والجامعات ستقل، مع ثبات أو حتى زيادة في التكاليف، والتي سيتسبب بها فرض بعض المتطلبات للارتقاء بمستوى التعليم، وهذا بالضرورة سينعكس على تكلفة الدراسة ارتفاعا.
فهل سيستطيع كافة أولياء الأمور التعامل مع هكذا اوضاع وارتفاع؟!
هنا سيكون مدخلا للتعليم الالكتروني لمن لا يملك القدرة على دفع الرسوم الكاملة للحصول على التعليم الوجاهي، وهذا أيضا بالضرورة يجب أن ينطبق على التعليم العام والذي لن يستثنيه الوباء أو أي مستجد بسبب أنه تعليم حكومي، فسيجد العديد من الطلاب الذين لن يجدوا لهم أماكن في المدارس الحكومية بسب عدم الاستيعاب أنفسهم أمام خيار التعليم الالكتروني.
ولضبط الأمور في هذا التصور، يجب أن يكون المحتوى التعليمي كاملا وسهل الوصول، ويجب أن تكون الامتحانات وجاهية في المدارس للجميع، وينطبق على الطلاب مبدأ (عند الامتحان يكرم المرء أو يُهان)، فمن استعد واستغل ما تهيأ له من محتوى بشكل جيد سيجتاز الامتحان،
مع علمنا المسبق واليقيني أن معوقات كثيرة ستكون أمام هذا التوجه في بلادنا. ومثال على ذلك أن غالبية الأمهات يعملن خارج البيوت، وكثير منهن أيضا يعملن داخل البيوت بمشروعات صغيرة لسد متطلبات الحياة، وهنا سيُلقى الحِمل على كاهل الطالب لمتابعة دراسته بنفسه.
التصور الثاني:
(يجب تحويل رؤية التعليم من التلقين إلى البحث والتقصي)
في هذا التصور، أجد أن استغلال محتوى الانترنت والمحتوى التعليمي على كافة المنصات، أكانت في البلد الواحد أو على مستوى العالم، أصبحت تشمل كافة مناحي العلوم، ولا يحتاج الطالب بعد مرحلة التأسيس سوى التعلم والتدرب على مفاهيم البحث والتقصي عن المعلومة وتدقيقها، مع الحفاظ على التوجيه من قبل المعلم في المدرسة او الأستاذ في الجامعة.
وهذا التصور يتطلب تغييرا في رؤية وأهداف التعلبم المدرسي و/أو الجامعي.. بحيث يكون البحث وسرعة ودقة الوصول إلى المعلومة هي المقياس.
وهنا استطيع القول بأن إحدى مشاكل الطلاب وهي الغش في الامتحان لن يكون لها أي قيمة، وذلك لأن الامتحان في الاصل سيكون بحثا وإبحارا في الانترنت، والمقياس سيكون في دقة وسرعة الوصول اليها.
رسالتي الى وزارة التربية والتعليم والجامعات:
إن أردتم أن تكونوا رياديين، فعليكم أن تستشرفوا المستقبل، وإعادة النظر في الرؤية والهدف الاستراتيجي لديكم، وتهيئة أنظمتكم وتعليماتكم لمواكبة التجديد، والبدء بتوفير البنية التحتية القوية والمحتوى العلمي عالي المستوى، وتدريب الكوادر التعليمية على استغلال التكنولوجيا بأعلى طاقتها. (م. م.)