عناق (السعودية – قطر) بين الزعيمين (بن سلمان وتميم) أعاد لشرايين الأمة دماء الأخوّة ... ولكن يجب قطع ألسنة المنافقين والمرتزقة لضمان نجاح المصالحة
"جوهرة العرب" / بقلم: المستشار محمد الملكاوي – رئيس التحرير
العناق القيادي الحار (الذي باركه دون شكٍ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز) بين سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وأخيه سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قبيل انطلاق القمة الخليجية الـ (41) أمسٍ (الثلاثاء) في مدينة (العُلا) السعودية يؤكد بأن الشقيقة الكُبرى (المملكة العربية السعودية) ستبقى دائماً وأبداً هي أرض (الإسلام والسلام)، وهي السند والعزوة لكل الدول العربية والإسلامية ومسلمي العالم والإنسانية.
·القمّة التي طوت (3.5) سنة من القطيعة بين الأشقاء
لهذا طوت القمّة الخليجية الـ (41) صفحات أزمة خانقة في التاريخ الخليجي والعربي والإسلامي والدولي، فعادت الجسور الأخوية قوية بين قيادات وشعوب السعودية والإمارات والبحرين وقطر، ومعها مصر أيضاً بعد ثلاث سنوات ونصف السنة تقريباً من القطيعة بين الأخوة والأشقاء والجيران ... وهذا هو الجهاد الأكبر في الإسلام، (إصلاح ذات البين).
·أخيراً ارتاحت روح الشيخ صُباح الأحمد أمير الكويت السابق
·ونجح الشيخ (نواف) الخير أمير الكويت الحالي في المساعدة في رأب الصدع
وأنا هنا على قناعة بأن روح الشيخ صُباح الأحمد الجابر الصُباح (الله يرحمه) أمير دولة الكويت السابق قد ارتاحت في قبرها أمس (الثلاثاء) بعدما واصل أمير الكويت الجديد سمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصُباح (أطال الله في عمره) المهمّة التي بدأها لإصلاح ذات البين بين الأشقاء في السعودية والإمارات والبحرين ومصر وقطر، ونجحت وبحمد الله المساعي الكويتية في رأب الصدع بين الدول الخليجية في هذه المرحلة العصيبة، التي أغلق فيها فيروس (كورونا) الكثير من حدود ومطارات دول العالم.
فلله درّك أيتها الكويت، لأنكِ ميزان المحبة بين الأخوة والأشقاء وأبناء العمومة ... ولله درّكم يا قادة الكويت لأنكم صدى (الجابر) و (السالم) و (المبارك) التي تقود دائماً إلى (الصباح) بعد عتمة الليل، وبعد الظلمة الشديدة التي تسبق الفجر والصباح دائماً.
·الصلح بين (الأوس والخزرج) ... ومصالحة (العُلا)
وأنا على يقين أيضاً بأنه لم يكن من قبيل الصُدفة اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان لمدينة (العُلا) لتكون شاهدةً على المصالحة الخليجية، لأن هذه المدينة المجاورة للمدينة المنورة (على ساكنها أفضل السلام وأتمّ التسليم) التي شهدت قبل ما يزيد على (1400) عام محاولة اليهود والمنافقين الوقيعة بين قبيلتي الأوس والخزرح في عهد الرسول (محمد) صلّ الله عليه وسلم، لكنّه وبحمد الله أعاد الموآخاة بينهما تحت مظلة الإسلام وشعار المحبة، وعانق كل واحد منهم الآخر، وكانت أول مصالحة في الإسلام، مثلما عانق الزعيمان الأمير محمد بن سلمان آل سعود والشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني كل المسلمين في عناق (العُلا).
كما أن مدينة (العُلا) ... الواحة السعودية الخلاّبة التي تمتد بتاريخها إلى (4000) عام هي جارة مدائن صالح، كما أن الرسول محمد (ص) زارها وأقام فيها وهو في طريقه قبل غزوة تبوك، ووضع الأسس لبناء أول مسجد فيها (وهو مسجد العظام)، لهذا فهي مدينة ذات إرث تاريخي وإسلامي وعربي ... وتستحق أن تكون أرضية محبة للمصالحة الخليجية.
·الدور السعودي المُشرّف لإصلاح ذات بين العرب والمسلمين
وللسعودية دور مشرّف في الموآخاة والمصالحة بين أبناء الأمة العربية الإسلامية، حيث حاولت جاهدة أكثر من مرّة الموآخاة بين في الفصائل الفلسطينية وخاصة بين حركتي (فتح وحماس)، وأبرز تلك المحاولات تمثلت في اتفاق مكة المكرّمة عام 2007، وكذلك المُصالحة بين الأطراف اليمنية المتصارعة المستمرة حتى يومنا هذا، وأيضاً المصالحة بين الرئيس الإثيوبي ورئيس وزرائه عام 2018، والمصالحة بين الحكومة الصومالية وزعماء العشائر الصومالية عام 2007، والمصالحة بين تشاد والسودان عام 2007، والمصالحة بين الطوائف السنّية والشيعية في العِراق عام 2006، وكذلك المصالحة بين الأطراف المتنازعة في الحرب الأهلية اللبنانية التي جرت في الطائف عام 1989، وكذلك حلّ الخلافات بين قطر والبحرين على جزيرة الديبل عام 1986، وترسيم الحدود بين المغرب والجزائر عام 1972 وغيرها كثير.
·يجب قطع ألسنة المنافقين والمرتزقة
ولكن ... وحتى نطوي هذه الأزمة نهائياً، ونضمن نجاح واستمرار المصالحة الخليجية وعمد فتح صفحة فتنة جديدة في منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي تحديداً، فيجب قطع ألسنة كافة المنافقين والمرتزقة الذين سعّروا نيران الحقد والكُره والعداوة والبغضاء بين الأشقاء، وأغلبهم بكل أسف هم من غير الأشقاء في الدول الخلجية، لأن مثل هؤلاء المنافقين والمرتزقة هم كالأبالسة لا يستطيعون العيش إلا في مستنقعات وأوحال الأزمات بين الأشقاء، وذلك بهدف الإثراء السريع، ولأن مواقفهم هي معروضة دائماً للبيع والشراء، وطالما دفعنا في الأردن ثمناً باهظاً من مثل هؤلاء.
·إيران وتركيا والطابور الخامس
وأود أو أشير هُنا إلى إن نظام إيران لن يقبل بأي حال من الأحوال أن يكون الخليج العربي منطقة هادئة، لهذا فهو ضد المصالحة الخليجية قلباً وقالباً، وهو يُعادي الجميع ويريد السيطرة على دول المنطقة كما فعل في العِراق وسوريا وبعض أجزاء لبنان واليمن، لكن العداء الأكبر لهذا النظام الإيراني هو موجه نحو المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً، وهو يريد احتلال المقدسات الإسلامية في مكة المكرّمة والمدينة المنورة، حتى يكتمل مشروعه السرطاني بتصدير الثورة الإيرانية إلى الدول السنّية المعتدلة في المنطقة.
فيما تسعى تركيا في عهد الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان إلى الهيمنة على بعض مناطق المنطقة، وعلى قراراتها لإعادة الخلافة الإسلامية المشوهة، خاصة وأن الخلافة الإسلامية الحقيقية لا تقوم على دماء المسلمين السنّة الأكراد في تركيا والعِراق وسوريا، ولا على دماء الليبيين والسوريين في الشمال السوري، ولا على دعم الجماعات الإسلامية الإرهابية في الشمال السوري، ونقلهم بطائرات تركية إلى بعض أماكن الصراع في المنطقة خدمة للمشروع التركي الذي يريد أن يُفرّق ولا يجمع.
أما الطابور الخامس، فهو الذي يضمّ نخباً سياسية وحزبية وإعلامية واقتصادية في العديد من الدول العربية، والذين يعملون وفقاً لأجندات دوائر استخبارية عالمية ومنظمات إرهابية وجماعات متطرّفة، بهدف تفتيت المنطقة وتضليل وخداع شعوبها حتى تبقى تائهة في وحل السياسة، وبعيداً عن وسطية واعتدال واتزان الإسلام.
·شكراً للسعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر وسلطنة عُمان ومصر
وقبل أن أختتم كلامي أقولها كأردني وعربي ومسلم وإنسان:
شكراً للمملكة العربية السعودية التي احتضنت المصالحة الخليجية بدعم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الذي يمتلك رؤى حكيمة، وتسير كدولة بثقة على نهج مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود.
شكراً للكويت التي جاهدت وعملت بإخلاص إسلامي وعروبي وخليجي لتحقيق مصالحة الجابرين (صُباح - ونواف) بوحي مؤسسها الشيخ مبارك بن صُباح الصُباح. وهي الدولة التي تمد يدها دائماً لإصلاح ذات البين خاصة في الزمن الصعب.
شكراً لدولة الإمارات العربية المتحدة التي شاركت روح مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في القمّة، من خلال زعيم الريادة العالمية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة / رئيس مجلس الوزراء – حاكم إمارة دبي. مع الإشارة هُنا إلى أن رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (شافاه الله وعافاه) حاكم إمارة أبو ظبي، ونائبه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان هما مصدر اعتزاز بأنهما يقفان دائماً مع الحق العربي والإسلامي والإنساني، وهما ركيزة من ركائز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
وشكراً للبحرين التي تسير على نهج مؤسسها أحمد الفاتح (الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة)، فهي مملكة حرص جلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة على أن تكون دولة متطورة تقوم على الوحدة والمحبة والتسامح والعيش المشترك.
وشكراً لقطر التي تسير على نهج مؤسسها الشيخ محمد بن ثاني آل ثاني، والتي نتوسم في أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الخير، ليكون عضداً خليجياً عربياً مسلماً يشد أزر وسواعد الأمة في هذه المِحن.
وشكراً لمصر العروبة وأرض الكِنانة التي تم فيها تطبيق أول مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان الإسلامية في عهد أمير المؤمين عمر بن الخطاب رضي الله عندما انتصر لمسيحي قبطي على ابن حاكم مصر عمرو بن العاص المسلم، والذي قال حينذاك قولته المشهورة التي أسست لأحد مبادئ حقوق الإنسان: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحراراً).
وشكراً لسلطنة عُمان التي حضرت روح السلطان قابوس هذه المصالحة، خاصة وأن عُمان هي أرض الأخوة الإسلامية والعربية والإنسانية، والتي لم تتوانَ يوماً ترسيخ المحبة في قلوب الجميع.
·مطلوب عدم السماح لتجّار الأزمات ببث سمومهم
ويبقى القول، بأن الرِهان الحقيقي على نجاح المصالحة الخليجية هو في صفاء القلوب أولاً، وفي ترجمة مبادئ الإسلام في إصلاح ذات البين بين الأشقاء، وفي بتر وتقطيع أطراف السرطانات (المنافقين والمرتزقة) التي تغلغلت في الجسد الخليجي ثانياً، لأنهم رأس الأفعى وهم أساس الفتن، وكذلك عدم السماح لتجّار الأزمات أن يعيدوا إلى مسامعنا من جديد (يوم بُعاثٍ) الذي كان السبب في إثارة النعرات بين قبيلتي الأوس والخزرج.
msa.malkawi@gmail.com
#المستشار_محمد_الملكاوي