عمان-صدر حديثا لوزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق د. محي الدين توق كتاب بعنوان "الإصلاح التربوي-أطر السياسات والمداخل"، يتناول فيها الأطر والمداخل لإصلاح التربية في الدولة العربية والأردن بشكل خاص.
في تقديمته للكتاب وتحت عنوان "لماذا هذا الكتاب؟"، يقول توق إن الإصلاح التربوي في البلدان العربية لم يُعد ترفاً، بل ضرورة قصوى لتحقيق التنميّة المستدامة، وتطوير المواطنة، وبناء منعة الدّولة، وتحقيق التقدّم، علميّاً وتكنولوجيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً. فهناك الآن شواهد متعدّدة تدل على أنه ما من دولة تقدّمت في السّنوات الخمسين الأخيرة إلّا وكان إصلاح التعليم أحد أهم أسبابه.
جاء الكتاب في ستة فصول يتناول الأول والثاني إصلاح برامج تربيّة المعلّمين بأشكالها المختلفة، وسياسات المعلّمين بشكل خاص، بعد استعراض واقعها وسياساتها في بعض الدّول العربيّة، فيما يركز في الفصل الثالث على موضوع تمكين المدرسة، من معلّمين ومدراء، لتتمكّن من رفع سويّة التعليم والاسهام في تحقيق الأهداف المجتمعة، وما تواجههه هذه الحركة العالميّة من تحديّات، وما تحتاجه من شروط لنجاحها.
بينما يتناول الفصل الرابع المساءلة التربويّة وعلاقتها بالتقدم التربوي. وهذا الموضوع من أكثر الموضوعات التي ترتبط بإشكاليّات متعدّدة في الدّول العربيّة، ليس أقلها غياب أو ضعف فكرة المساءلة وثقافتها، وبالذات غياب المساءلة المجتمعيّة النّاجمة جزئيّاً من ثقافة الدّولة الريعيّة.
فيما يتحدث الفصلان الخامس والسّادس حول اشكاليّات تربويّة عريضة ذات أبعاد اجتماعيّة واقتصاديّة واضحة، وهما كيفيّة مقاربة مشكلات السّلوك اللااجتماعي والعنف المستشري في العديد من المجتمعات العربيّة من ناحيّة، وكيفيّة إيصال التعليم والتدريب لملاييّن الأطفال واليافعين والشّباب والشّابات العرب ممّن لم يتمكّنوا من التعلّم، أو حرموا منه لأسباب متعدّدة.
بينما يتحدث الفصل الخامس عن موضوع التربيّة المواطنيّة كمدخل من مداخل الإصلاح التربوي، بينما تناول الفصل السّادس موضوع بدائل التعليم النّظامي والحاجة لتطوير أطر المؤهلات الوطنيّة لاستيعاب كافّة أشكال التعليم غير النّظامي وغير الرّسمي من أجل الوصول لملاييّن الشّباب والشّابات العرب خارج إطار المدارس.
ويرى توق ان الإصلاح التربوي شغل حيّزاً كبيراً من اهتمامات المربّين العرب، وراسمي السياسات التربويّة، ومتخذّي القرارات على حد سواء في السّنوات الخمسين الأخيرة، كما عقدت له مئات المؤتمرات والنّدوات والحلقات الدراسية، نجم عنها وثائق مهمة، بدءاً من استراتيجيّة التربيّة العربيّة في العام 1967، وأعمال مشروع الفكر العربي حول مستقبل التعليم في الوطن العربي التي نفذّت في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وانتهاءً بالدراسات المستفيضة عن التعليم في الدول العربية التي نفذت بالتعاون ما بين المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، والبنك الدّولي، في منتصف العقد الثّاني من القرن الحادي والعشرين.
ويشير المؤلف الى إنّ تدني التحصيل العلمي للطلبة العرب ليس مجرّد احساس عام تسمعه من أولياء الأمور، أو المستخدِمين، أو المهتمين بالشأن العام، بل إنّ هناك جملة من الشّواهد التي تبيّن تراجع نوعيّة مخرجات التعليم العربي. ومن هذه الشّواهد النتائج المتدنيّة للتحصيل في الاختبارات الوطنيّة التي تجريها بعض الدّول العربيّة، أو في نتائج الاختبارات الدوليّة المقارنة في العلوم والرياضيّات كاختباري TIMMS وPISA، إذ يساوي تحصيل الطلبة العرب من الدّول المشاركة في هذه الاختبارات تحصيل أدنى 10% من طلبة الدول الصناعيّة المتقدّمة أو طلبة دول كسنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبيّة. كما أنّ نتائج الطلبة العرب في القراءة، والفهم القرائي، وحل المشكلات ليست أفضل حالاً كما أظهر تقرير المعرفة العربي.
ويشير توق إلى مجموعة من الاختلالات اجتماعية التي تعاني منها الدول العربية منها كما يقول توق "ضعف في الحوكمة والمشاركة، وخلل في المواطنة ومعادلة الحقوق والواجبات. كما أنّ نسبة الأطفال والشّباب واليافعين الموجودين خارج المدارس نسبة مرتفعة جدّاً بكافة المعاييّر، ناهيك عن وجود ملاييّن من الشباب العرب الذين لا يمتلكون المهارات المطلوبة في سوق العمل".
وينوه المؤلف الى تجارب دوليّة اثبتت أنّ مفتاح التقدم التربوي هو المعلم ونوعيّة التعليم، إذ لا يمكن أن يكون مستوى التعليم في أي بلد أفضل من نوعيّة المعلّمين في ذلك البلد. ولذا فإنّ كافّة الدول التي حققّت تقدّماً يذكر، أو تسعى نحو التقدم، تضع إصلاح المعلّم، وتطوير نوعيّة التعليم في مقدّمة برامجها في الإصلاح التربوي.
ويؤكد توق على أهميّة المعلّم والمدرسة في الإصلاح التربوي المستمد من تجربة شخصيّة في المجال التربوي امتدّت عبر أربعة عقود، وفي مواقع مختلفة من المسؤوليّة من ناحية، والمبني على التجارب النّاجحة والممارسات الفضلى التي قرأت عنها، أو إطّلعت عليها مباشرة من خلال الزّيارات التربويّة الميدانيّة من ناحيّة أخرى، نظراً لذلك كرّست ثلاثة فصول من الكتاب للمعلم والمدرسة.
ويرى المؤلف ان أدوار المدارس ووظائفها تعرّضت لتغيّرات كثيرة في العديد من الدول، وبالتالي تغيّرت التوقعات من المعلّمين. فمع زيادة الإقبال على التعليم، تغير الجسم الطلابي من حيث القدرات والخلفيّات الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة كما وصلت إلى المدارس أعداد متزايدة من ذوي الاحتياجات الخاصّة الذين يحتاجون رعايّة مختلفة، الأمر الذي يتطلّب من المعلّمين مهارات واتجاهات مختلفة، كما يتوقع من المعلّمين استخدام أكبر لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في صفوفهم، وأن يعملوا على إدماج أولياء الأمور بشكل أكبر في العمليّة التربويّة، وبنفس الوقت ازدادت الحاجة للتخطيط الذي يضع بعين الاعتبار المساءلة.
ويشير الى ان برامج إعداد المعلّمين، التقليديّة منها بشكل خاص، قد لا تكون كافية لإعداد المعلّمين لمواجهة الأدوار والتوقعات الجديدة. وقد أدّى ذلك فيما أدّى إلى زيادة الحاجة لتدريب المعلّمين أثناء الخدمة، وتنميتهم المهنيّة المستمرّة من أجل الحفاظ على أداء تعليمي جيّد. ناهيك عن الحاجة لتغييّر أسس انتقائهم واختيارهم لمهنة التعليم.
ويخلص توق الى انه في هذا الكتاب لم يغطِّ عمليّة التعليم وطرقه وأساليبه وكيفيّة ممارسته بكفاءة وفاعليّة، كما لم يغطّي موضوع إدارة الصّفوف وكيفيّة تأثيرها على مجمل العملية التعليميّة-التعلميّة، ولم يغطِّ الكتاب كذلك موضوع المناخ الصّفي والمدرسة والبيئة التعليميّة العامّة، وكل هذه الموضوعات موضوعات هامّة وذات مساس مباشر بعمليّة الإصلاح التربوي. إنّ عدم تغطيّة الكتاب لهذه الموضوعات، ليس لأنها أقل أهميّة من سواها، بل لأنها.. تستحق كتاباً آخر يتناولها بالعمق المطلوب، أمل أن أتمكّن من التصدّي لهذه المهمّة في المستقبل.