الحب هو الإيمان الثابت المتدفق في القلب والذي يجعلنا نشعر بلذة التعلق بالله سبحانه وتعالى وتشوقنا إليه، وأن نتذكر دائماً كماله وجماله وتوالي عطاياه لنا. فالقلب اليتيم هو القلب الذي لم ينبض بحب الله؛ ولم يستشعر بقيمة عطاياه. فالأمان والقوة والراحة وكل شيء بيده سبحانه وتعالى، وإذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الناس.
فالأنبياء بكمالهم ملكو القلوب، والله سبحانه وتعالى أرادنا أن نأتيه طوعا وليس قسرا؛ وهذا هو الفرق بين الحب وبين الواجب، فأنت حينما تحب الله تفعل المستحيل لإرضائه، وإرضاء الله يكون في حبنا للخير والتميز والإرتقاء بأنفسنا، وأروع نموذجا للحب هو إرتقاء الله بنا؛ ومن أجلنا، وغفرانه لنا. فكلما أقبلنا على الله بكل قوة صغر كل شيء أمامنا، وفي قلوبنا، ووثقنا بأن لا قادر إلا الله؛ فما حاجتنا لأحد سواه.
فإذا إستمدينا قوتنا من حبنا وتعلقنا بالله فنحن هنا حصنا أنفسنا للتأقلم مع كل هزة عاطفية؛ وعودنا قلوبنا على الإستعداد للحب بشيء من العقل؛ وبذلك نستغني عن غدر البشر وخيانتهم، وكأننا نمرن عضلات قلوبنا على التحمل والصبر. فتلك الصفات تجعلنا ننتصر على جميع الأوهام العاطفية، وتجنبنا الوقوع في الحب دفعة واحدة، وأن نناضل من أجل إنتصاراتنا حتى على أنفسنا، وأن ننسج من النسيان سجادة صلاة لنسجد فوقها عند كل خيبة أمل؛ لشحن أنفسنا بطاقات إيجابية تولد الأشياء الجميلة والنقية مجدداً؛ بعد أن تطهرنا من خيبات الإستبداد وكراكيب الذاكرة وإدمان الوفاء للماضي ولمن لا يستحق.
ولكي ينجح الحب علينا بالتدرب على النسيان، والقناعة بأن لا شيء يستحق التعلق والتوجه له سوى الله، حيث "القبلة"؛ وقلب الأم، لأن الله هو الوحيد الذي يكافئنا عندما نعطي ويعطينا بلا مقابل، ويغفر لنا زلاتنا عند الخطأ في الوقت الذي ينتظر فيه أقرب الناس التوقف عند أخطائنا؛ وإستغلال نقاط ضعفنا.
لنقول لهم ما دام الله معنا فمن علينا، فنحن به نقوى ولا يستطيع بشر خلقه الله سبحانه وتعالى أن يكسرنا. أما الخيبة فهي الوقوع في خطأ تحديد الوقت والزمن لمشاعرنا التي لا تتوقف أبدا ما دمنا أحياء كالحب، مثلا.. فكيف لنا بتحديد يوم للحب لنتبادل فيه المشاعر والهدايا ونحن نحمل قلوبا تنبض بعدد الثواني، فالتحديد ذاته يشعرنا بالإلتزام؛ وبأننا كنا مفلسين طوال أيام السنة، مستسلمين لخيباتنا العاطفية بسبب عدم تقديس المشاعر الحقيقية التي تمدنا بالصدق والوفاء؛ وتحمينا من الإستسلام لخيبات الأيام، تلك المشاعر المستندة لحبنا لأنفسنا، ومن حبنا لله، ومن حب الأم (الله، الأم، النفس)، فإذا كانت مرجعياتنا في الحب قويةوصحيحة، فنحن بالتأكيد سنتغلب على أية نهاية مهما كانت موجعة، ونجدنا لا نتوقف عندها أبدا؛ ونحاربها بنعمة النسيان؛ وسجادة صلاة؛ ودعاء صادق من قلب صادق كقلب الأم.
وأخيراً …إن العشق نقي وبسيط، فليس له علامات ولا تعاريف ولا زمان ولا مكان. وإذا أردنا الحب علينا أن نستمده من أنفسنا أولاً، ولنبحث عنه في قلوبنا قبل أن نبحث عنه في قلوب الآخرين، وأن نملأ فراغات أرواحنا بالحب الذي يعكس الحقيقة ويواجه الواقع، ويستوعب البشرية…
وأخيراً أقول، لن يرتوي أحد لم يشعر بلذة حب الله، ولن يشبع أبدا من إكتفى ببشر يشغله عن التوجه لله والإحساس بوجوده… فالله هو الحب الوحيد الذي لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء.