رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

الدكتورة مجد خليل القبالين تكتب : مُتنمِرون الكترونياً ........مُترهِلون فكرياً ......مُضطرِبون اجتماعياً!!!

الدكتورة مجد خليل القبالين تكتب :  مُتنمِرون الكترونياً ........مُترهِلون فكرياً ......مُضطرِبون اجتماعياً!!!
جوهرة العرب - دكتورة مجد خليل القبالين 
دكتوراه علم اجتماع / علم الجريمة

Cyberbullying...Intellectually flabby…Socially disturbed

يقول المُفكِر الجزائري رحمه الله مالك بن نبي:
" نستطيع ان نُقرِر ان شبكة العلاقات هي العمل التاريخي الأول الذي يقوم به المُجتمع ساعة ميلاده، ومن اجل ذلك كان اول عمل قام به المُجتمع الإسلامي هو الميثاق الذي يربط بين الأنصار والمُهاجرين.... فكُلما كانت العلاقات الداخلية السليمة هي نُقطة الانطلاق في تاريخ المُسلمين فإن تدهورها كان مؤشر السقوط والانحطاط، فلقد كان المُجتمع الإسلامي ابان افوله غنياً، ولكن شبكة علاقاته الاجتماعية قد تمزقت".
مع التطور في عالم الاتصالات والانفتاح التكنولوجي وقيام مواقع التواصل الاجتماعي بالتعويض عن الاتصال الوجاهي في العديد من المُناسبات الاجتماعية التي اصبح يتعذر على الافراد الالتقاء فيها وجاهياً بحُكم البُعد الجغرافي بينهم من جهة، وانتشار جائحة كورونا التي أصبحت تحول دون مُشاركة الافراد مع بعضهم البعض وجاهياً في العديد من المُناسبات الاجتماعية و التي بعضُها تحمل في مضامينها الفرح (كالزواج والنجاح والولادة )، والبعض الآخر تحمل في مضامينها الحُزن والفُراق (كالمرض والموت)؛ ولأن العالم الافتراضي والشبكة المعلوماتية لا تعترف بالحدود الجغرافية اصبح المُتنمِرون الكترونياً عابرون للحدود والجغرافيا ومتعددو الجنسيات ، فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي عالم وشارع كامل يمُارِس من خلاله المُتنمِرون التنمُر والارهاب الالكتروني بكافة اشكاله وصوره سواءً تنمُراً كلامياً بما هو مكتوب..... او تنمُراً بصرياً ومُشاهداً من خلال تداول مقاطع الفيديو التي تخدش الإنسانية واحياناً الحياء والعادات والتقاليد داخل مُجتمع شرقي لا يزال مُصطبِغاً بالصبغة العشائرية بالرغم من عولمته ظاهرياً...... ام من خلال اقتحام خصوصية الافراد وانتحال شخصيتهم واسماءهم وصورهم ومعلوماتهم الشخصية.
ان الجذور النفس اجتماعية لظاهرة التنمُر الالكتروني ترجع الى الاسرة بالدرجة الأولى من خلال تعلُم أنماط العُنف المُمارس داخل الاسرة فتُشكِل الاسرة الحاضنة الأساسية والأولى لتعلُم كافة اشكال العُنف ......... وهنا يُصبح تعلُم العُنف اوالتنمُر وفق أسلوب التعلُم بالنمذجة والتقليد والمُحاكاة وهذا ما أكده سيجموند فرويد Sigmund Freud في نظريته التحليل النفسي Psychoanalytic Theory التي تؤكد ان عدوان الفرد على الآخرين وعُنفه معهُم عبارة عن تفريغ طبيعي لطاقة العدوان الداخلية لدى الفرد الذي تُلِح عليه لإشباعها، ويُفسر سلوك العُنف وفقاً لهذه النظرية بأن العنيف يُسقِط ما يُعانيه من احباطات وسلوكيات غير سوية داخل الاسرة او البيئة المدرسية على شخصية الضحية ناتجة عن أساليب التعامُل غير السوية مع الفرد داخل مُحيطه الاسري....
 مروراً بالنظرية السلوكية Behavioral Theory لجون واطسون John Watson التي تؤكد على ان سلوك العُنف شأنه شأن أي سلوك يكتسبه الفرد من البيئة المُحيطة به وفقاً لقوانين التعلُم ، حيث ان العُنف يُعزز سلوكه من خلال الافراد المُحيطين بالفرد مثل الزُملاء والأصدقاء ، واحرازه درجة النجومية بين زُملائه؛ مما يجعله يشعُر بأنه مُختلف ومُميز ، كما ان حصول الشخص الذي يُمارِس العُنف الكترونياً على ما يُريده يُمثِل تعزيزاً بحد ذاته ، و هذا يدفعه لإنشاء وبناء مواقف عنيفة في الاعتداء على الافراد المُحيطين به من زُملائه ، وقلما كان يوجه عقاباً من الاسرة او من المدرسة ، وانما يُترَك يُمارِس افكاره واعتداءه على الآخرين ، وهذا ما نراه متداولاً وبكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حينما يقوم المُتنمِر الكترونياً بمُمارسة ارهابه الالكتروني ونجد من يُصفِق لهُ من مُتابعين ومُعلقين واقصد هُنا المؤيدين له، والذين يتفاخرون بإرهابه الالكتروني فيُصبح التنمُر شكل من أشكال المُباهاة بين الناس عبر العالم الافتراضي ......
ومروراً بنظرية التعلُم الاجتماعي Social Learning Theory ل باندورا وهوستون Pandora & Houston التي تؤكد على وجود نماذج بشرية تُمارِس العُنف في حياة الفرد، والدافع الخارجي المُحرِض على العُنف وتعزيز السلوك العنيف ،وان مُعظم السلوك العنيف مُتعلم من خلال المُلاحظة بالمعايشة والتقليد ، وهُنالك ثلاثة مصادر يتعلم منها الفرد بالمُلاحظة هذا السلوك وهي : التأثير الاسري (التعلُم بالنمذجة والمُحاكاة والتقليد )، وتأثير الاقران (تعزيز السلوك العنيف)، وتأثير النماذج الرمزية كالتلفزيون (الترويج لثقافة العنف عبر ثقافة الصورة) ، وان الأطفال والمُراهقين يكتسبون نماذج السلوك التي تتسم بالعدوان والعُنف من خلال مُلاحظة اعمال الكبار العدوانية ، بمعنى ان الأطفال والمُراهقين يتعلمون السلوك العنيف عن طريق تقليد سلوك الكبار ، وتُمارِس الجماعة التأثير على اكتساب السلوك العنيف، والتي تتم عن طريق تقديم النماذج العدوانية للأطفال فيقلدوها ، اوعن طريق تعزيز السلوك العنيف لمُجرد حدوثه.
وان السلوك العنيف لا يتشكل فقط بواسطة التقليد والمُلاحظة ولكن أيضاً بوجود عُنصر التعزيز، وان تعلُم السلوك العنيف عملية يغلُب عليها الجزاء او المُكافأة، والتي تلعب دوراً هاماً في اختيار الاستجابة للتنمُر وتعزيزها حتى تُصبِح عادة يلجأ اليها الفرد في اغلب مواقف الإحباط، مروراً بنظرية الاعتماد على وسائل الاعلام Dependence On Media Theory ل ميلفين وروكيتش Melvin & Rukitsh ، والتي تؤكد أن قُدرة وسائل الاتصال على تحقيق اكبر قدر من التأثير المعرفي والعاطفي والسلوكي سوف يزداد عندما تقوم هذه الوسائل بوظائف نقل المعلومات بشكل مُتميز مُكثف ، وهذا الاحتمال سوف تزيد قوته في حالة تواجُد عدم استقرار بنائي في المُجتمع بسبب الصراع والتغيير.
 ثُم نظرية الغرس الثقافي Cultural Implantation Theory للعالم الأمريكي جورج جربنر Gorge grbner والتي وضحت ان الناس في المُجتمعات المُعاصِرة أصبحوا أكثر اعتماداً على مصادر غير شخصية للخبرة، وأصبحت ثقافتنا لحظوية ، وان صناعة الثقافة الجماهيرية التي تُعادِل تكوين الوعي المُشترك أصبحت مُنتَجاً تُقدِمه وسائل الاعلام فتُصبح عملية صناعة الإرهاب الالكتروني عملية موجهة نحو مُستخدمي العالم الافتراضي بسبب تعرُضهم بشكل مُستمر وثابت ومُتكرر لمواقع التواصل الاجتماعي ، ولا يُمكِن انكار الدور الذي تلعبه الفجوة الثقافة التي حصلت لدينا بين عناصر الثقافة المادية الملموسة وغير المادية الملموسة من جهة أخرى التي أصبحت تحول بيننا وبين استخدامنا الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي.
والسؤال العميق هُنا........
 ما الذي نُريد ان نتوصل اليه من تنمُرنا الالكتروني اتجاه بعضنا البعض وهل سوف نبقى نعيش في دائرة التنمُر تلك؟!وهل التنفيس عن احباطاتنا وسوء أساليب التنشئة الاسرية التي تعرضنا لها في صغرنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حلاً لنا؟!