رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

مرح محمود الدويري تكتب : قصة قصيرة "القدس في القلب"

مرح محمود الدويري تكتب : قصة قصيرة  القدس في القلب
جوهرة العرب 

مشهد مؤثر حرك في داخلي مشاعر مختلطة، عندما كنت أزور بيت جدي من أيام، جدي ذلك الجندي الذي تجاوز السبعين ولا زال يحتفظ بصورته باللباس العسكري في صدر غرفة الجلوس، ويقابلها على الجدار الأخر برواز مذهب لقبة الصخرة وقد كتب تحتها " القدس في القلب".
فعندما كان جدي يتابع باهتمام إحدى المحطات الإخبارية وهي تبث خطاباً لرجل أصفر –يقولون انه الرئيس الأمريكي-ونحن ننتظر أن ينتهي من كلماته وحركاته البلهاء لنستطيع أن نغير القناة إلى محطة أخرى، وإذا بي أشاهد حمرةً غير معهودة على وجه جدي ولمعةً في عينيه يحاول أن يخفيها بطرف يده إلا أنها غلبته فنزلت دمعة مسرعة من عينه تعلن رفضه القاطع لما يسمع وبدأ يقلب كفيه ويردد بصوت مخنوق تملؤه الثقة وبحشرجة متقطعة " للبيت رب يحميه، للبيت رب يحميه".
أنها الرجل الأصفر خطابة وسط تصفيق للحضور، لم أفهم شيء مما قال ولكن جدي لا زال في مقعده يجمع شتات ذكرياته ويمسح دمعاته التي تتالت بعد ذلك، فما كان مني إلا أن أحضرت له كأس من الماء عله يخفف عليه، وبعادته التقط كأس الماء وشكرني بقوله المعهود " الله يرضى عليك".
فتجرأت وسألت جدي بنبرة فيها شيء من الغضب: ما كان يقول هذا الرجل يا جدي؟
فاطرق جدي برهة ثم رفع رأسه وقال: هل تعرفين فلسطين يا ابنتي؟ فأجبت بدهشة: نعم، طبعا! 
فقال جدي: كان هذا المعتوه يحاول إقناع العالم بانه يملك حق التصرف بها، وانه قادر على انهاء وجودها، وحاول ان يظهر بمظهر القوي المنتصر، ولكن هيهات يا ابنتي فنحن باقون وقضيتنا باقية ووعد الله حق والقدس ستعود يوما وسنصلي بها إما نحن أو أنتم أو الأجيال القادمة. – وقد أصبح صوت جدي متحدياً جهوراً واتسعت عيناه بقوة وقد اقفل قبضته وهو يهزها أثناء حديثه، حتى شعرت انه بكامل قوته-. 
فقلت: يا جدي وأين هم العرب والمسلمين من كل ما يحدث؟ 
فتنهد جدي تنهيدةً طويلة وقال: موجودين، ومستعدين، ومتحفزين، ولكنهم ينتظرون الوقت المناسب.
فقلت: وهل يوجد وقت أهم من هذا الوقت، وموقف أهم من هذا الموقف ليغضب العرب ويتحركوا؟!
فنظر الى جدي نظرة فرح وسرور مع ابتسامة على محياه غيرت ملامحه وقال: نحن يا جدي في الأردن أصحاب القضية منذ بدايتها، فقيادتنا الهاشمية حملت على عاتقها الدفاع عن القدس والمقدسات منذ بداية الدولة الأردنية، فأول ملوك الأردن هو شهيد الأقصى الملك المؤسس الشهيد عبدالله الأول أبن الشريف الحسين أبن علي، وتوالت التضحيات بعد ذلك من خلال المعارك التي خاضها الجيش العربي المصطفوي بقيادة بنو هاشم الذين كانوا وما زالوا جنوداً يدافعون عن القدس والمقدسات في كل حين، فمن معركة اللطرون الى باب الواد الى معرك أسوار القدس الى يوم الكرامة الاغر، سطر جيشنا وقيادتنا أروع الملاحم وانبل المواقف واكبر التضحيات.
فقلت: يا جدي هل شاركت بهذه المعارك؟
فقال وبكل فخر –وقد بدت عينه تلمع كصقر يعاين فرسته-: نعم، لقد شاركت في معركة الكرامة، وكنت حينها شاباً، فكنت ورفاق السلاح نهاجم العدو الغاصب وعيننا مفتوحة على القدس ولسان حالنا يقول "الموت ولا الدنيّا". وكانت أروع اللحظات عندما رأينا جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال يعتلي سيارة عسكرية بزيه العسكري ويزورنا في ارض المعركة معلناً بذلك انتصارنا. يا ابنتي برغم كل الضعف والتراجع الذي تشاهديه اليوم في العالم العربي الا ان بارقة الامل موجودة فها هو جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين يعلنها وفي جميع المحافل الدولية "فلسطين عربية، والقدس عربية" وقد اثلج وخفف عنا همنا عندما أكد في كل موقف انه مع القدس وللقدس سيبقى. 
لم أشاء ان أزعج جدي أكثر ولكن الفضول تملكني فقلت: يا جدي هل لا تزال تفكر في القدس وتحن لها لهذه الدرجة؟!
فأشر جدي الى البرواز المذهب والذي عكس صورته باللباس العسكري وقال "القدس في القلب".
وهنا دمعت عيناي فرحاً برده وحضنته وقلت: سنصلي في القدس ذات يوم يا جدي.
فكل عام وجيشنا العربي بالف خير واليوم تطل علينا ذكرى تعريب الجيش نحن نحتفل بمئوية تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، لنعلن للعالم أجمع اننا على العهد باقون وأننا نجدد البيعة للوطن بالانتماء ولبنو هاشم بالولاء ولجيشنا العربي بالحب والوفاء.
فلجيشنا العربي تحية فخر واعتزاز والمجد والخلود لشهدائنا الابرار، ونرفع الاكف الى السماء داعين المولى ان يحفظ الأردن جيشاً وشعباً وملكاً، وكل عام وأنتم بألف خير.