في الأول من آذار من عام 1956، ومنذ ذلك التاريخ والشمس لم تعد تغيب عن سماء جيشنا العربي، اذ كان من الواضح في بداية تسلم المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه سلطاته الدستورية ان حياتنا العسكرية تشهد تحولا جذريا وعميقا أسهم في انجاز مفرداته كافة الضباط الأحرار من أبناء جيشنا العربي، وان هذا التحول برز في مستويات عديدة، مثّل تعريب قيادة الجيش العربي أهمها وبداية جديدة للنهضة العسكرية في الوطن، والتي وجد امتدادها في عموم الأقطار العربية، ان هذه البداية لملك شاب لم يلبث ان استلم سلطاته الدستورية نلمس مؤشراتها تتوسع وتنضج باطراد، وتضع المصير العسكري للقوات المسلحة الأردنية أمام الطريق الواضح والمحدد والرحب، فلم يعد أمام الجندي الأردني الا خيار واحد، هو الارتباط الجوهري بقيادة عربية خالصة تمثلت معطياتها التاريخية بما قدمه الجيش من تضحيات في سبيل أمته وقضاياها المصيرية.
ان ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي الاردني ليست عنوانا فحسب نحتفل بذكراه في كل عام، وليست ترفا يدعيه ويزدان به الشعراء، انه من صميم الآلام المادية والمعنوية لشعب مستغل مقهور في سيادته، فكانت هذه الخطوة الجريئة للمغفور له الملك الحسين بن طلال سر انبعاث الشعب، والرجوع الى الحالة الطبيعية لجيش حمل مشاعل التحرر والفداء لأمته العربية مستلهما من ثورة العرب الكبرى فكره وعقيدته وتضحياته.
ان تعريب قيادة الجيش العربي بمثابة النقطة التي تركز فيها انتباه ابناء الوطن والأمة العربية، وأفصح عن أعمق حاجاتها في مرحلة ما، واستطاع ان يلهب النفوس ويفتح القرائح ويحقق بالتالي تلك النهضة لجيشنا العربي، وأعادنا الى الحالة الطبيعية المشروعة بالرغم من كافة المعيقات التي واجهت المغفور له الملك الحسين بن طلال لكن الايمان العميق بالوطن والشعب وقواته المسلحة جعله يسترد للشعب وجيشه كرامته وعزته.
علينا جميعا ان نقدر هذه الخطوة حق قدرها، وان نعرف السهل والصعب فيها، وان علينا واجبا مقدسا بأن نحمي هذه الخطوة التاريخية وأن نغذيها بكل طاقاتنا، وأن نعي دوما ان للجيش العربي رسالة وان ثمن الرسالة لا يكون سهلا ولا ثمنا رخيصا، وقد دفعه ضباط وأفراد جيشنا العربي من دمائهم عندما ارتقوا دفاعا عن الشرف والكرامة العربية، وما زال جيشنا العربي يؤدي رسالته المقدسة بكل عزيمة يستمدها من دعم ورعاية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم وايمانه المطلق بالجيش ودوره ومكانته، وتسخير كافة الامكانيات الوطنية لخدمة هذا الجيش ليؤدي دوره ورسالته الوطنية والقومية بكل كفاءة واقتدار.
سيبقى تعريب الجيش العربي الأردني صفحة مضيئة في سفر الوطن الخالد باعتباره حدثا غير صورة الواقع، وستبقى هامات جيشنا العربي عالية كالقمم، وستبقى انفسهم وارواحهم تبتهل الى الباري عز وجل ان يغفر ويرحم الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه صاحب الخطوة التاريخية الشجاعة التي كان لها الأثر الأكبر في بناء قواتنا المسلحة الباسلة، ويعاهدون الله وقائد الوطن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم ان يبقوا حاملين الامانة مدافعين عن الحق والكرامة، يبذلون الغالي والنفيس للحفاظ على أمن واستقرار الوطن، حاملين مشاعل التضحية والفداء لرسالة الاردن الوطنية والقومية، التي حملها ملوك بني هاشم ابتداء من عبدالله الأول مؤسس المملكة وصولا لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه.