قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (8) } صدق الله العظيم / سورة العلق
" اقرأ " كلمة نزلت على سيد الخلق رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم منذ ما يقارب الخمسة عشر قرنا فهلا تدبرناها .
فيما مضى من زمن طفولتي ولما سمعت بهذه الآيات تبادر إلى عقلي فهم لـ اقرأ بأنها خطاب رب العزة لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم - وهو الرجل الأمي - حتى يستطيع التواصل مع الآخرين كون القراءة والكتابة هي لغة التواصل .
واليوم وقد بلغت من العمر كهلا اجد البشرية تقارع غزوا غير معتاد، وغير تقليدي، إنه غزو الفكر "الكوروني" وها هو يعيث في الأرض فسادا، من هنا أجد نفسي قد تجلّت لها الرؤيا؛ بأننا الآن في طوفان ممنهج مسيّر يحاول اغتيال " اقرأ " من تركيبتنا ومكوناتنا, لقد مرّت البشرية بمنعطفات خطيرة عديدة؛ حروب, كوارث, زلازل, لكن لم تتطاول على مصير الأجيال ووجودها المتمثل بعقولها كما تطاول وتمادى " الفكر الكوروني " اليوم, إنه يتخطى كل الخطوط وكل الخطط بل ويمسّ المكون الدقيق للوجود الحضاري الإنساني وكأنها حرب ممنهجة مدروسة تستهدف العقل الانساني عموما والعربي على وجه الخصوص, تستهدف أمة اقرأ ولسان حاله يقول: أريد أن انتقل بمقولة ( أمة اقرأ لا تقرأ ) لتصبح المقولة واقع وحقيقة شاملة.
اقرأ ليست مجرد حث على تطوير وسيلة الخطاب, اقرأ هي الخطاب والرسالة السماوية التي مضى على صمودها خمسة عشر قرنا تقريبا؛ تحددت بها مسارات حياة الإنسانية وتنظّمت بموجبها علاقاتها ووُجّهت بها دّفة العالم نحو الحضارة والمدنية بعدما كانت السيادة للجاهلية والهمجية.
اقرأ هي والوسيلة المصيرية لهندسة وتخطيط الحياة الفضلى, جوهرها لم ولن يُختزل بخياطة الأحرف وصفّها, بل تعدى ذلك إلى صناعة الإنسان السّوي وتهذيب عقله بعلم وهبه الله له.
اقرأ هي التكريم الرّباني للإنسان فاقترنت بكرم الله وليس لكرم الله حد, واقترنت بالعلم وليس أي علم إنما هو هبه الله لخلقه العقلاء " الإنسان " فخصّه وفضّله عن باقي مخلوقاته بالعقل, ومن هنا تتجلى الحكمة العظيمة والمقصد الأساسي لـ اقرأ ارتباطها بالعقل؛ مناط التكليف, فلا يتصور لبهيمة أن تعقل, وبالتالي ليس عليها تكليف وما توجبه " اقرأ ".
نحن الآن في القرن الخامس عشر من الهجرة يقابله والواحد والعشرين ميلادي وها نحن الآن نرى أبنائنا على مفترق طرق؛ أبواب الرجعية و الجهل التي كانت قد غمرت القرون الوسطى, خرجت البشرية منها بفضل " اقرأ " وها نحن نرى أولادنا يتيهون في مسيرتهم وتعطل عقولهم ويُقامر بوجودهم بترك العمل بـ " اقرأ" ، قرارات وسياسات متخبطة لا تعتمد استراتيجية أو رؤية، ضحيتها أبناؤنا، فالعلم هبة الله للبشرية لم يكن لتتحصّل عليه لولا فضل وإذن من الكريم العليم فهل من رشيد يفقه القول ويعمل به وهل نحن تائبون آيبون.