يوم أسود آخر مر على الأردنيين، متوشح بالسواد والقهر بسبب حادثة مستشفى السلط، التي ذهب ضحيتها عدد من المرضى الذين حكم عليهم بالإعدام نقصاََ بالأكسجين جراء الإدارة السيئة وانعدام المسؤولية، ونقص في تنسيق العمل والاهتمام بتفاصيله، وكأن العمل قائم على الاحتمالات والصدف وليس معلومات أو بيانات توضح الصورة برمتها، مما أدى ذلك كله إلى كارثة إنسانية بكل المقاييس.
نقص الأكسجين كان جزء من نواقص كثيرة، وتراكمات لأخطاء كثيرة باتت في حكم العادة للأداء المؤسسي، وترك الحابل على الغارب، وركل البعض مسؤولية التنفيذ بين هذا وذاك كالكرة، وتنصل من واجبه، وقارن نفسه بأداء فلان وعلان، وجلس الكثير على مكاتبهم يحتسون القهوة ويتبادلون الحديث والعمل يسير على غير هدى.
بانت علتنا وتقصيرنا على شكل كوارث، وحوادث كثيرة، ففي كل فترة ينتحب الوطن على وفيات حدثت بسبب تقصير، وانعدام الضمائر وموتها، وكمية استهتار غير طبيعية وكأن الإنسانية في إجازة إلى إشعار آخر.
تنهار الدول إذا انهارت الأخلاق، وسقوط أي قيمة أخلاقية قادر على إسقاط أية دولة مهما كانت قوتها، وبتنا لا نسأل إلى أين نسير، لأننا نعرف الوجهة، ونحن شهود على بيع الأخلاق والقيم في سوق المصالح والأنانية، وحب الذات، والاستهتار بالعمل والأداء.
مختصر الحال تنقصنا الأخلاق، وينقصنا الإخلاص بالعمل والأداء، تنقصنا الرقابة الذاتية المرتكزة على مخافة الله والرحمة والتراحم، ينقصنا أداء الواجب بكل مهارة وإتقان وحرص على سير كل شيء ضمن خطط وبيانات ومعلومات مبنية على أرض الواقع ، ينقصنا ترك الإتكالية والاعتماد على النفس لتحمل المسؤولية ليكون الأداء المؤسسي متقن لكي نتفادى المفاجآت وحدوث الأخطاء، ينقصنا أن يكون كل فرد يعمل على أساس أن الخطأ ذنب لا يغتفر مهما كبر أو صغر.
لن تتوقف الأمور عند حادثة واحدة إذا بقي الترهل الإداري والعمل المؤسسي على هذا الحال، سنضل نبكي وننعي الأحبة بسبب الزلات والأخطاء، نحتاج في هذا الوقت تنظيف وترتيب، وإعادة تشذيب لهيكل القطاع العام، وتوزيع الأدوار والمهام وتنفذيها، والعمل على مراقبة الأداء وتقويمه بشكل مستمر، ومحاسبة المقصرين، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وعمل برامج وتدريب لمنتسبي القطاع العام وتعريفهم بالمهام الواجب عليهم تنفيذها، وقبل ذلك كله يكون النهج قائم على معادلة دولة مؤسسات وقانون تنحصر مهمة المسؤولين فيها على تنفيذ الخطط الموضوعة من قبل المعنيين بذلك، وإلا بقينا نلبس عبادة الوظيفة الرسمية كنوع من الرفاهية وإكتمال صورة الوجاهة، ونيل الشرف بتسلم كرسي للتلميع حتى لو من يجلس عليه باهتاََ.